للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على العباد برّهم وتعظيمهم لا يقتضي ذلك أن يستغاث بهم أو يطلب منهم مالا يقدر عليهم أحد إلا الله.

والتعظيم اللائق بمناصبهم ليس من هذا الجنس، بل تعظيمهم محبتهم وطاعتهم وتعزيرهم وتوقيرهم، والإقتداء بهديهم، والأخذ بما جاؤوا به، وعباد القبور تركوا هذا التعظيم الواجب، وعظموهم بالاستغاثة والعبادة، والذبح والنذر، من جنس تعظيم أهل الكتاب لأنبيائهم ورهبانهم وأحبارهم، وهذا الزائغ- من جهله- يدعو الناس إلى طريقة الغلاة من أهل الكتاب، ويعرض عما جاءت به الرسل، ويصد عن السنة والكتاب، قال تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} ١.

وأما قوله: وقد خلق الله فيه قوة كاسبة.

فإن أراد القوة العادية البشرية الإنسانية فليس النزاع في هذا، وإن أراد ما يعتقده عُبّاد القبور في معبوداتهم من الصالحين وغيرهم، وأن لهم قدرة على إجابة المضطر، وإغاثة الملهوف، وقضاء حوائج السائلين؛ فهذا شرك في الربوبية لم يبلغه شرك المشركين من أهل الجاهلية، بل هو قول غلاة المشركين الذين يرون لآلهتهم تصرفاً وتدبيراً. وإن أراد أنهم يُدْعَوْنَ ويُسْأَلُونَ ويُستغاث بهم والله يُعطي لأجلهم؛ فهذا هو قول الجاهلية من الأميين والكتابيين. وتقدمت الآيات الدالة على ذلك، وتقدم ما حكاه الشيخ من قول النصارى: يا والدة الإله اشفعي لنا إلى الإله. فهم طلبوا منها الشفاعة والجاه ليس إلا، وهذا من كفرهم وشركهم مع ما هم عليه من القول في عيسى وأمه- قاتلهم الله-، فإن كان هذا الزائغ أراد هذا الثاني فهو شرك غليظ، وقد تقدم له التصريح بذلك وعبارته هنا توهم الأول، وهو الغالب على عباد القبور في هذه الأزمان، نسأل الله العفو والعافية.

وأما كون الأولياء والصالحين في حال مماتهم كحال حياته يدعون لمن


١ سورة الأنفال: ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>