للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخذلان واتباع الهوى، هذا مع أنه حمله إعجابه برأيه وغلبه اتباع هواه على أن نسب سوء الفهم والغلط في النقل إلى جماعة من العلماء الأعلام، المعتمد عليهم في حكاية مذاهب الفقهاء واختلافهم وتحقيق معرفة الأحكام، حتى زعم أن ما نقله الشيخ أبو زكريا النووي في "شرح مسلم" عن الشيخ أبي محمد الجويني من النهي عن شد الرحال، وإعمال المطيّ إلى غير المساجد الثلاثة كالذهاب إلى قبور الأنبياء والصالحين وإلى المواضع الفاضلة ونحو ذلك- هو مما غلط فيه على الشيخ أبي محمد، وأن ذلك وقع منه على سبيل السهو والغفلة، قال: ولو قاله يعني الشيخ أبا محمد أو غيره ممن يقبل كلامه الغلط لحكمنا بغلطه وأنه لم يفهم مقصود الحديث.

فانظر إلى كلام هذا المعترض المتضمن لرد النقل الصحيح بالرأي الفاسد، واجمع بينه وبين ما حكاه عن شيخ الإسلام من الافتراء العظيم، والإفك المبين، والكذب الصراح، وهو ما نقله عنه من أنه جعل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور الأنبياء عليهم السلام معصية بالإجماع مقطوعاً بها، هكذا ذكر المعترض عن بعض قضاة الشافعية عن الشيخ أنه قال هذا القول الذي لا يشك عاقل من أصحابه وغير أصحابه أنه كذب مفترى، لم يقله قط ولا يوجد في شيء من كتبه ولا دل كلامه عليه، بل كتبه كلها ومناسكه وفتاويه وأقواله وأفعاله تشهد ببطلان هذا النقل عنه، ومن له أدنى علم وبصيرة يقطع بأن هذا مفتعل مختلق على الشيخ، وأنه لم يقله قط، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} ١.

وهذا المعترض يعلم أن ما نقله هذا القاضي المشهور- بما لا أحب حكايته عنه- في هذا المقام عن شيخ الإسلام من هذا الكلام كذب مفترى لا يرتاب في ذلك، ونكنه يطفف ويداهن ويقول بلسانه ما ليس في قلبه، قال: ولقد أخبرني الثقة أنه ألّف هذا الكتاب لما كان بمصر قبل أن يلي القضاء بالشام بمدة كبيرة،


١ سورة الحجرات: ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>