ومنها أنه قال: وأنا والله في حيرة من أمره، إن قلت إن ذلك اعتقاده يعارضني أني أعرفه حنفي المذهب، من عائلة علم وسيادة، كلهم من أهل السنة والجماعة، وأن ما اعتمده في هذا الكتاب- مما أيد به زلاّت ابن تيمية- هو مذهب الوهّابية لا مذهب الحنفية. .. إلخ.
فيقال لهذا المخذول: لِمَ تتحير في أمرك وأنت لست بمسؤول عن غيرك، وكل امرىء بما كسب رهين، وبما عمل مجازى بيقين، هلاّ نظرت إلى نفسك قبل حلول رمسك، قد قضيت عمرك بالضلال وفاسد الأعمال، والحكم بالطاغوت والإعراض عما شرعه ذو الجلال، تارة تزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل زمان وفي كل مكان، وأخرى تدعي أن كل من لم يدع المخلوق ولا استغاث به فهو من المبتدعين، وأن الإسلام هو دعاء غير الله والغلو في الصالحين، وأخرى تقول بالحلول والاتحاد، وتعتقد ما يعتقده أهل الإلحاد، ومع ذلك لم تتحير في أمرك بل تحيرت في أمر غيرك، وما دخولك بين العلماء وأنت من أضل الجهلاء؟!
اقرأ كتابك واعتبره قريباً ... وكفى بنفسك لي عليك حسيبا
ومن الفصيح كلام إخوان الصفا ... إن خاطبوا جعلوا الخطاب خطوبا
ما كان عذرك لو أتيت بمثله ... أو كنت فيما تشتهيه مجيبا
وما أحسن ما يقول القائل:
مناضلة الدني مع الأديب ... بلا داع من العجب العجيب
أيأمر بالمكارم من بعيد ... ويجنح للدنية من قريب
وينهي عن طباع السوء صبحاً ... ويأتي بالإساءة في الغروب
يعلّم غيره طرق المعالي ... وتذجبه النقيصة للعيوب
وإن يأتي الفتى ما عنه ينهى ... فذاك النهي وعظ من كذوب
سكوت الحر حتم عن سفاه ... وصون العرض يقضي بالوجوب
وماذا النفع في إتعاب فكر ... يقوم بنصرة الطبع الغضوب