للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحق كما هو شأن أهل السنة، فإنهم يتبعون ما ورد ولا يصرفون النصوص إلى ما تهواه أنفسهم، بل يَرُدُّونَ المتشابهَ إلى المُحْكَمِ منها، وهذا من علائم أهل الحق الناجين يوم القيامة.

وقد سبق بيان معنى السنة والبدعة، وذكرنا هناك من الأحق بالاتباع ومن المستحق أن. يكون من أهل الابتداع، ومصنف "جلاء العينين" كان ممن يعتقد أن الله واحد أحد، فرد صمد، لا يغيره الأبد، ليس له والد ولا ولد، وأنه سميع بصير، بديع قدير، حكيم خبير، علي كبير، ولي نصير، قوي مجير، ليس له شبه ولا نظير، ولا عون ولا ظهير، ولا شريك ولا وزير، ولا ند ولا مشير، سبق الأشياء فهو قديم بقدمها، وعلم كون وجودها في نهاية عدمها، لم تملكه الخواطر فتكيفه، ولم تدركه الأبصار فتصفه، ولم يخل من علمه مكان فيقع به التايين، ولم يعدمه زمان فينطلق عليه التاوين، ولم يتقدمه دهر ولا حين، ولا كان قبله كون ولا تكوين، ولا تجري ماهيته في مقال، ولا تخطر كيفيته ببال، ولا يدخل في الأمثال والأشكال، صفاته كذاته، ليس بجسم في صفاته، جل أن يشبه بمبتدعاته، أو يضاف إلى مصنوعاته {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ١ أراد ما العالم فاعلوه، ولو عصمهم لما خالفوه، ولو شاء أن يطيعوه جميعاً لأطاعوه، خلق الخلائق وأفعالهم، وقدر أرزاقهم وآجالهم، لا سمي له في أرضه وسماواته، على العرش استوى، وعلى الملك احتوى، وعلمه محيط بالأشياء، والقرآن كلام الله تعالى، وصفة من صفات ذاته غير محدث ولا مخلوق، كلام رب العالمين، في صدور الحافظين، وعلى ألسن الناطقين، وفي أسماع السامعين، وبأكف الكاتبين، وبملاحظة الناظرين، برهانه ظاهر، وحكمه قاهر ومعجزه باهر. وأن الله تعالى كلم موسى تكليماً، وتجلى للجبل فجعله دكاً هشيماً، وأنه خلق النفوس وسواها، وألهمها فجورها وتقواها، والإيمان بالقدر خيره وشره، وحلوه ومره، وأن مع كل عبد رقيباً وعتيداً، وحفيظاً وشهيداً، يكتبان حسناته، ويحصيان سيئاته، وأن كل


١ سورة الشورى: ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>