للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أراني قد أتيت بقليل من كثير ما استوجب، فالله المستعان عليه.

وقد تذكرت عند وصولي إلى هذا المقام ما كان يقوله سلف النبهاني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحببت ذكره هنا، وإدراجه في الكتاب، ليعلم الناظر البصير أن أعداء الحق في كل عصر على وتيرة واحدة، وقلوبهم متشابهة فيما يرد عليها من الخواطر والشؤون.

ألا إنما الأيام أبناء واحد ... وهذي الليالي كلها أخوات

فلا تطلبن من عند يوم ولا غد ... خلاف الذي مرت به السنوات

روى الإمام أحمد من حديث- محمد بن إسحاق، قال: حدثني يحي بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال قالت له:"ما أكثر ما رأيت قريشاً أصابت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانت تظهر من عداوته، قال: حَضَرْتُهم وقد اجتمع أشرافهم يوماً في الحِجْرِ، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط، قد سَفَّهَ أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرَّقَ جماعاتنا، وسبَّ آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم- أو كما قالوا- فبينما هم في ذلك إذ طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشي حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفاً بالبيت، فلما أن مر بهم غمزوه تتعض ما يقول، قال: فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى، فلما مر الثانية غمزوه بمثلها فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى فمر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها، فقال: تسمعون يا معشر قريش؛ أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح، فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع، حتى أن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفأه بأحسن ما يجد من القول، حتى إنه ليقول: انصرف انصرف يا أبا القاسم؛ انصرف راشداً فوالله ما كنت جهولاً. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان من الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم، فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه، فبينما هم في ذلك طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوثبوا إليه وثبة رجل واحد فأحاطوا به، يقولون له: أنت الذي يقول كذا وكذا، لما كان يبلغهم عنه من عيب آلهتهم ودينهم؟ قال: فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم أنا الذي أقول ذلك. قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>