المرسلين، وقد علمت أن مدار المدح والقدح على الشريعة الغراء، فنسأله سبحانه الرضوان والعفو يوم الجزاء.
الوجه الخامس: قد صح في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أنتم شهداء الله في الأرض ". وقال:"يوشك أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار" قالوا: بم يا رسول الله؟ قال:"بالثناء الحسن، والثناء السيىء" ١. فأخبر أن ذلك مما يعلم به أهل الجنة وأهل النار، وكان أبو ثور يقول: أشهد أن أحمد بن حنبل في الجنة ويحتج بهذا. وهذا على قول من يقول يشهد بالجنة لمن شهد له المؤمنون، ولكل مؤمن جاء فيه نص، ومنهم من لا يشهد بالجنة لأحد إلا للأنبياء، وهذا قول محمد بن الحنفية والأوزاعي، ومنهم من يقول يشهد بالجنة لكل مؤمن جاء فيه نص، وهذا قول كثير من أهل الحديث، فهذه ثلاثة أقوال لهم في الشهادة بالجنة، والكلام عليها مفصل في غير هذا الموضع، والقول الأول هو المشهور، وعليه جماعة من الجمهور، فإذا كان الثناء الحسن والحمد والمدح مما يعلم به عدالة من أثني عليه وحمد ومدح وأن ذلك دليل على القبول عند الله والفوز برضوان الله تعالى والفوز بجنانه علمنا بذلك أن مصنف "جلاء العينين" ووالده كانا ولله الحمد من خيار عباد الله الصالحين، والعلماء العاملين، فقد رأيت كتاباً بمجلدين ضخمين ألّفه بعض فقهاء شافعية بغداد في مناقب العلامة المفسر الشهير صاحب تفسير "روح المعاني" قدس الله روحه، سماه مؤلفه "حديقة الورود في مدائح أبي الثناء شهاب الدين السيد محمود" ذكر فيه مؤلفه نسب المترجم وما حصله من الفنون والعلوم، وما جرى له من المباحث والمناظرات مع علماء عصره، وما وردته من دقائق المسائل، وما أجاب به عنها، وما ورد له من الكتب والرسائل من الأقطار والبلاد، وما قالته الشعراء فيه من المدائح، وما صادفه مدة عمره من التبجيل والاحترام من أهل السنة ومشاهير أتباع المذاهب، وما رثاه به العلماء والأدباء والشعراء المفلقون نظماً ونثراً مما لم يصادف مثله في هذه العصور، وذكر مشائخه ومن أخذ عنهم من المشائخ ومن أخذ عنه، وما له من المصنفات وبدائع المحررات، وما
١ أخرجه ابن ماجه (٤٢٢١) وحسّنه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" (٣٤٠٠) .