تغذي الأرواح ومن نخب الكلام له سلافة تفز الأعطاف المراح، ومن يانع ثمار أفكار ذوي اليراعة طبعه المعلق في الصناعة الخالية عن وصمة الفجاجة والبشاعة، وهو الكاشف عن وجوه مخدرات المعاني حجاب نقابها، والمفترع عرائس المباني بكشف جلبابها، وهو الذاب عن الدين ظن الزنادقة والملحدين، والناقد للمرويات عن النبي سيد المرسلين، وللمأثورات عن الصحابة والتابعين، فمن قال هو كافر فهو كافر حقيق، ومن نسبه إلى الزندقة فهو زنديق، وكيف يكون ذلك وقد سارت تصانيفه إلى الآفاق، وليس فيها شيء مما يدل على الزيغ والشقاق، ولم يكن بحثه فيما صدر عنه في مسألة الزيارة والطلاق إلا عن اجتهاد سائغ بالاتفاق، والمجتهد في الحالين مأجور مثاب، وليس فيه شيء مما يلام أو يعاب، ولكن حملهم على ذلك حسدهم الظاهر، وكيدهم الباهر، وكفى للحاسد ذماً آخر سورة الفلق، في احتراقاته بالقلق، ومن طعن في واحد ممن قضى نحبه منهم أو نقل غير ما صدر عنهم فكأنما أتى بالمحال، واستحق به سوء النكال، وهو الإمام الفاضل البارع التقي النقي الورع الفارس في علمي الحديث والتفسير والفقه والأصولين بالتقرير والتحرير، والسيف الصارم على المبتدعين، والحبر القائم بأمور الدين، والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، ذو همة وشجاعة وإقدام فيما يروع ويزجر، كثير الذكر والصوم والصلاة والعبادة، خشن العيش ذو القناعة من دون طلب الزيادة، وكانت له المواعيد الحسنة السنية، والأوقات الطيبة البهية، مع كفه عن حطام الدنيا الدنية، وله المصنفات المشهورة المقبولة، والفتاوى القاطعة غير المعلولة، وقد كتب على بعض مصنفاته قاضي القضاة كمال الدين ابن الزملكاني رحمه الله تعالى:
ماذا يقول الواصفون له ... وصفاته جلت عن الحصر
هو حجة لله قاهرة ... هو بيننا أعجوبة الدهر
ثم ذكر ترجمة ابن الزملكاني، ثم قال: أفلا تكفي شهادة هذا الحبر لهذا الإمام، حيث أطلق عليه حجة الله في الإسلام، ودعواه أن صفاته الحميدة لا يمكن حصرها ويعجز الواصفون عن عدها وزبرها؟.