فإذا كان كذلك فكيف لا يجوز إطلاق شيخ الإسلام عليه، أو التوجه بذكره إليه وكيف يسوغ إنكار المعاند الماكر الحاسد، وليت شعري ما متمسك هذا المكابر المجازف الجاهل المجاهر وقد علم أن لفظة الشيخ لها معنيان لغوي واصطلاحي؛ فمعناه اللغوي: أن الشيخ من استبان فيه الكبر، ومعناه الاصطلاحي: من يصلح أن يتلمذ له، وكلا المعنيين موجود في الإمام المذكور في ولا رئب أنه كان شيخاً لجماعة من علماء الإسلام، ولتلامذة من فقهاء الأنام فإذا كان كذلك كيف لا يطلق عليه شيخ الإسلام، لأن من كان شيخ المسلمين يكون شيخاً للإسلام، وقد صرح بإطلاق ذلك قضاة القضاة الأعلام، والعلماء الأفاضل أركان الإسلام، وهم الذين ذكرهم مؤلف هذا الكتاب الرد الوافر في رسالته التي أبدع فيها بالوجه الظاهر، وقد استغنينا بذكره عن إعادته، فالواقف عليه يتأمله، والناظر فيه يتقبله، وأما مناظرات هذا الإمام فكثيرة في مجالس عديدة، فلم يظهر في ذلك لمعانديه فيما ادعوا به عليه برهان غير تنكيدات رسخت في القلوب من ثمرات الشنآن، وقصارى ذلك أنه حبس وقيد، وقد حبس الإمام أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه ومات في الحبس، فهل قال أحد من العلماء أنه حبس حقاً، وحبس الإمام أحمد رضي الله عنه وقيد لما قال قولاً صدقاً، والإمام مالك رضي الله عنه ضرب ضرباً شديداً مؤلماً بالسياط، والإمام الشافعي رضي الله عنه حمل من اليمن إلى بغداد بالقيد والاحتياط، وليس ببدع أن يجري على هذا الإمام ما جرى على هؤلاء الأئمة الأعلام، وكان آخر حبسه بقلعة دمشق، وتوفي فيها في الثلث الأخير من ليلة الاثنين المسفر صباحها عن عشرين من ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وكان مرضه سبعة عشر يوماً، وصلى عليه بباب القلعة الشيخ محمد بن تمام، ثم صلوا عليه في الجامع الأموي، ثم دفن في مقابر الصوفية إلى جنب أخيه الشيخ شرف الدين، ومولده في عاشر ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة بحران، وقدم مع والده إلى دمشق، وقد امتلأ الجامع وقت الصلاة عليه أكثر من يوم الجمعة، وحضر الأمراء والحجاب، وحملوه على رؤوسهم، وخرجوا به من باب الفرج، وامتد الخلق إلى مقابر الصوفية وختموا