للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحطب، أو قال: العشب"١. أعاذنا الله من حسد يسد باب الإنصاف، ويصد عن جميل الأوصاف، وكيف يجوز أن يكفر من لقب هذا العالم بشيخ الإسلام ومذهبنا أن من كفر أخاه المسلم بغير تأويل فقد كفر، لأنه سمى الإسلام كفراً.

ولقد افتخر قاضي القضاة تاج الدين ابن السبكي في ترجمة أبيه الشيخ تقي الدين السبكي في ثناء الأئمة عليه بأن الحافظ المزي لم يكتب بخطه لفظة شيخ الإسلام إلا لأبيه وللشيخ تقي الدين أبن تيمية وللشيخ شمس الدين ابن أبي عمر، فلولا أن ابن تيمية في غاية العلو في العلم والعمل ما قرن ابن السبكي أباه معه في هذه المنقبة التي نقلها ولو كان ابن تيمية مبتدعا أو زنديقاً ما رضي أن يكون أباه قريناً له.

نعم نسب الشيخ تقي الدين إليه أشياء أنكرها عليه معاصروه، وانتصب للرد عليه الشيخ تقي الدين السبكي في مسألتي الزيارة والطلاق، وأفرد كلاً منهما بتصنيف، وليس في ذلك ما يقتضي كفره ولا زندقته أصلاً، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر- يعني النبي صلى الله عليه وسلم - والسعيد من عدت غلطاته، وانحصرت سقطاته، ثم إن الظن بالشيخ تقي الدين أنه لم يصدر منه ذلك تهوراً وعدواناً- حاش لله- بل نعله لرأي رآه وأقام عليه برهاناً، ولم نقف إلى الآن بعد الفحص والتتبع على شيء من كلامه يقتضي كفره ولا زندقته، وإنما نقف على رده على أهل البدع والأهواء وغير ذلك مما يظن به براءة الرجل وعلو مرتبته في العلم والدين، وتوقير العلماء والكبار وأهل الفضل متعين، قال الله تعالى {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} ٢.

وصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا" ٣ وفي رواية "حق كبيرنا


١ حديث ضعيف. أخرجه أبو داود (٤٩٠٣) . وقال البخاري في "التاريخ الكبير" (١/ ٢٧٢- ٢٧٣/ ٨٧٦) بعد ذكره: "لا يصح". وضعفه الألباني في "الضعيفة" (١٩٠٢) .
٢ سورة الزمر: ٩.
٣ أخرجه أحمد (٢/ ١٨٥) والبخاري في "الأدب المفرد" (٣٥٤،٣٥٨،٣٦٣) وأبو داود (٣٩٤٣) والترمذي (١٩٢٠) وغيرهم، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>