اليقين، حتى كان تذكرة الإمام، وعليه مدار أصحاب مذهبه في الأحكام، له التصانيف التي لم يسبقه إليها غيره من الأفاضل، والفوائد التي هي واسطة عقد الفضائل، وكان على منهج السلف الصالح، ويعد مخالفتهم من أفضح الفضائح، ولم يزل يثني على المحدثين، ويصوب آراءهم في عقائد الدين، وأفرد المصنفون له تراجم مفصلة، وأثنوا عليه بعباراتهم المطولة، وذكروا أنه كتب في مناقب شيخ الإسلام ما يليق بشأنه من الكلام، وقد قرظ كتاب "الرد الوافر" وذكر من مناقبه نحو ما ذكره الأكابر، وهذا نصه: "بسم الله الرحمن الرحيم؛ الحمد لله الذي جعل قلوب العلماء كنوز لطائف الحكم، وألسنتهم مكفوفة عما فيه نقص أو جرح أو ألم، وأسماعهم عن سماع قول الفحش في صمم، وخصهم بين الأنام بجلائل النعم، وجعلهم محفوظين عن الخوض في الأعراض، متجانبين عما يؤدي إلى ظهور الأغراض، وصلى الله على سيدنا محمد المبعوث للعرب والعجم، وعلى آله وأصحابه ذوي الكرم والهمم.
وبعد، فإن صاحب هذا التأليف قد أمعن النظر وأجاد وبين وأتقن وأفاد فيما هو المقصود والمراد، من الرد على من أكفر علماء الإسلام، وهم الأئمة الأعلام، بنسبتهم الشيخ العالم الناسك تقي الدين ابن تيمية إلى كونه شيخ إسلام.
فنقول بالله التوفيق: إن الشيخ تقي الدين ابن تيمية كان على ما نقل إلينا من الذين عاشروه وما اطلعنا عليه من كلام تلميذة الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية الذي سارت تصانيفه في الآفاق؛ كان عالماً متقناً متفنناً، متقللاً من الدنيا معرضاً عنها، متمكناً من إقامة الدليل على الخصوم، حافظاً للسنة عارفاً بطريقها، عالماً بالأصلين أصول الدين وأصول الفقه، قادراً على الاستنباط لاستخراج المعاني، لا يلويه في الحق لومة لائم، قائم على أهل البدع المجسمة، والحلولية والمعتزلة، والروافض وغيرهم، والإنسان إذا لم يخالط ولم يعاشر يستدل على أحواله وأوصافه بآثاره، إلا أن ما اتصف به تلميذه ابن القيم من العلم يكفي ذلك دليلاً على ما قلناه، وما نقل إلينا مما اجتمع في جنازته من الخلائق التي لا تحصى حتى