للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النصارى واليهود خير منه، فإن النصارى واليهود لهم كتاب وابن تيمية لا كتاب له.

فنعوذ بالله من هذه النزغة الشيطانية المفظعة القبيحة، مع أنه لم ينقل عن ابن تيمية كلام يقتضي كفراً ولا فسقاً ولا ما يشينه في دينه، وقد كتبت في زمنه محاضر لجماعة من العلماء العدول اطلعنا عليها بأنه لم يقع منه شيء مما يشينه في دينه، ووصفوه في تلك المحاضر بأعظم مما قلناه من أوصافه المتقدمة، وإنما قام عليه بعض العلماء في مسألتي الزيارة والطلاق، وقضية من قام عليه مشهورة، والمسألتان المذكورتان ليستا من أصول الأديان، وإنما هما من أصول الشريعة التي أجمع العلماء على أن المخطىء فيها مجتهد مثاب لا يكفر ولا يفسق، والشيخ كان يتكلم في المسألتين بطريق الاجتهاد، وقد ناظر من أنكر عليه فيهما مناظرة مشهورة بأدلة يحتاج من عارضه فيها إلى التأويل، وهذا ليس بعيب، فإن المجتهد تارة يخطىء وتارة يصيب، وهو مثاب على اجتهاد وإن كان مخطئاً، ولو اشتغل هذا المكفر بالله، وبما يجب عليه من طاعته، وصان لسانه ومنع نفسه من الاشتغال بما لا يعنيه، وحمل أحوال المسلمين على الصلاح، واقتدى بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألستتهم" ١. وبقول عيسى عليه السلام حين عارضه خنزير في بعض الطرق، فقال: "اذهب يا مبارك، فقيل له في ذلك! فقال: إني أعوّد لساني الخير". وبقول عمر رضي الله عنه: لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها من الخير محملاً.

واعلم أنه إذا نقل إلينا كلام أخد وثبت أنه كلامه بالطريق الصحيح الشرعي ونظرنا في ذلك الكلام فلم نجد له وجه صحة وإنما وجدناه مصادماً للشريعة من كل وجه؛ فإن كان المنقول عنه ذلك الكلام ميتاً ولم يثبت عندنا رجوعه نسبناه إلى ما يقتضي كلامه، وإن كان حياً قمنا عليه، فإن تاب وإلا رتبنا عليه ما تقتضي


١ حديث صحيح. أخرجه أحمد (٥/ ٢٣٦، ٢٤٨) . وانظر "جامع العلوم والحكم" للحافظ ابن رجب (ص ٥٠٦- ط. ابن الجوزي) الحديث التاسع والعشرون. و"الإرواء" (رقم: ٤١٣)
و"الصحيحة" رقم (١١٢٢) و"الصمت لابن أبي الدنيا" (رقم: ٦- تحقيق الشيخ الحويني) .

<<  <  ج: ص:  >  >>