وأفلاك الفهوم على تقريره دائرة، ونجب التوجيه بأمثال نوادره سائرة، وخدود الطروس عن غرر إبداعه سافرة، ووجوه البيان كاشفة النقاب عن محاسن تحبير جده الحالي بها هذا الكتاب، وهو من بيت فضل ومجد ودراية، وسلفنا أهل علم وعمل ورواية، نسبه بابن الخطاب متصل، وحسبه من كل جرثومة مجد منفصل.
قوم لهم بين الأنام مناقب ... كالشمس في العليا على التحقيق
ما فيهم إلا نجيب كامل ... ذاعت فضائله بكل طريق
ناهيك من شرف ترى أنسابهم
... موصولة في حضرة الفاروق
وكان هذا الفاضل مقتفياً أثر سننهم، وآخذاً بفروضهم وسننهم، يلوح من فرقه سيما جده الإمام الفاروقي، ويرشح من قلبه السليم بعقارب الأقارب رشحات الترياق الفاروقي، وهو منذ أميطت عنه التمائم ولاحت له من أثر أسلافه العلائم اشتغل بقراءة الفقه والحديث والتفسير والأصول، وشرع في طلب العلوم من المعقول والمنقول، إلى أن صار العلم المفرد، ولم يسبقه من أهل عصره أحد.
وفي تاريخ أبي الفدا ما نصه: "في ذي الحجة سنة تسع وأربعين وسبعمائة بلغنا وفاة القاضي شهاب الدين أحمد بن فضل الله العمري بدمشق بالطاعون، ومنزلته في الإنشاء معروفة، وفضيلته في النظم والنثر موصوفة، كتب السر للسلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون بالقاهرة بعد أبيه محي الدين، ثم عزل بأخيه القاضي علاء الدين وكتب السر بدمشق، ثم عزل وتفرغ للتأليف والتصنيف، حتى مات عن نعمة وافرة. قال أبو الفدا: دخل رحمه الله قبل وفاته بحدة معرة النعمان فنزل في المدرسة التي أنشأتها ففرح لي بها، وأنشد فيها بيتين أرسلهما لي بخطه، وهما:
وفي بلد المعرة دار علم ... بنى الوردي منها كل مجد
هي الوردية لحلواء حسناً ... حمدت الله إذا بك تم مجدي