وهو طويل النفس في مؤلفاته، وجرت له محن مع القضاة، منها سبب فتواه بجواز الرجوع بغير محلل، فأنكروا عليه وآل الأمر إلى أن رجع عنه، كذا في الدرر الكامنة من المائة الثامنة اقتصاراً، وفضله أشهر من أن ينبه عليه، وأظهر من أن يشار إليه، وكتبه المنتشرة اليوم أعدل شاهد على علو شأنه وطول باعه في كل علم.
وقد ألّف في مناقب الشيخ ما تقر به عين المؤمن، وينشرح له صدر كل مسلم، وذكر أيضاً نبذة مفيدة من أحواله في كثير من كتبه، لاسيما في كتابه "مدارج السالكين شرح منازل السائرين" ووفق بين أحواله وأحوال أكابر عباد الله الصالحين، وعرف منزلته ومقامه، وقد كان من أجلّ تلامذة الشيخ وأصحابه، وأدرى من غيره بشؤونه وأحواله، ودرجته من علم اليقين وبلوغه مقام المجتهدين الأعلام.
وبالجملة: إن ابن القيم نفسه كان حسنة من حسنات ابن تيمية وهو ذلك العالم الذي سارت بذكر فضائله الركبان، وهو كما قال القائل:
برغم الأعادي نال ما هو نائل ... فأجدع آناف العداة وأرغما
ولو رام أن يرقى إلى النجم لارتقى ... ويوشك رب الفضل أن يبلغ السما
ولا غرو أن يعلو وها هو قد علا ... ولا بدع أن يسمو وها هو قد سما
عزائمه كالمشرفية والظبا ... وآراؤه ما زلن في الخطب أنجما
يصيب بها الأغراض مما يرومه ... ولا يخطىء المرمي البعيد إذا رمى
ومنهم العلامة المحدث السيد صفي الدين الحنفي البخاري نزيل نابلس عليه الرحمة، وكان آية في علم الحديث والتفسير والأصلين والتصوف وأحوال الرجال، كما كان مشهوراً بالإنصاف من بين علماء مصره، ومن أوضح الدلائل على إنصافه هذا، وقد رد المنكرين عليه وذب عنه ما هو بريء منه، وذكر دلائل ما اختاره من الأقوال، وسمّى ذلك الكتاب "القول الجلي في ترجمة الشيخ تقي الدين ابن تيمية الحنبلي".