للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مضطلعاً من ذلك، وله تصانيف كثيرة وتعاليق مفيدة في الأصول والفروع، وأثنى عليه وعلى فضائله جماعة من علماء عصره.

وقال الشيخ الإمام الفاضل الأديب أحمد شهاب الدين بن فضل الله العمري الشافعي في تاريخه المسمى "بمسالك الأبصار في مسالك الأمصار" في ترجمة الشيخ ابن تيمية- وهي طويلة تبلغ كراسة فأكثر-: ومنهم أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الحراني، العلامة الحافظ الحجة المجتهد المفسر، شيخ الإسلام، نادرة العصر، علم الزهاد، تقي الدين، أبو العباس أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى، هو البحر من أي النواحي جئته، والبدر من أي الضواحي أتيته، رضع ثدي العلم منذ فطم، وطلع وجه الصباح ليحاكيه فلطم، وقطع الليل والنهار دائبين، واتخذ العلم والعمل صاحبين، إلى أن أنسى السلف بهداه، وأنأى الخلف عن بلوغ مداه، على أنه من بيت نشأت منه علماء في سالف الدهور، وتسنأت منه عظماء على مشاهير الشهور، فأحيا معالم بيته القديم إذ درس، وجنى من فننه الرطيب ما غرس، وأصبح في فضله آية إلا أنه آية الحرس، عرضت له الكدى فزحزحها، وعارضته البحار فضحضحها، ثم كان أمة وحده، وفرداً حتى نزل لحده، جاء في عصر مهول بالعلماء، مشحون بنجوم السماء، تموج في جانبيه بحور خضارم، وتطير بين خافقيه نسور قشاعم، وتشرق في أنديته بدور دجنة، وصدور أسنة، إلا أن صباحه طمس تلك النجوم، وبحره طم على تلك الغيوم، ففاءت سمرته على تلك التلاع، وأطلت قسورته على تلك السباع، ثم عبيت له الكتائب فحطم صفوفها، وخطم أنوفها، وابتلع غديره المطمئن جداولها، واقتلع طوده المرجحن جنادلها، وأخمدت- أنفاسهم ريحه، وأكمدت شرارهم مصابيحه.

تقدم راكباً فيهم إماماً ... ولولاه لما ركبوا وراه

فجمع أشتات المذاهب وشتات الذاهب، ونقل عن أئمة الإجماع فمن سواهم مذاهبهم المختلفة واستحضرها، ومثل صورهم الذاهبة وأحضرها، فلو شعر أبو حنيفة بزمانه وملك أمره لأدنى عصره إليه مقترباً، أو مالك لأجرى وراءه

<<  <  ج: ص:  >  >>