فينقضي المجلس بجملته والدرس برمته وهو في تفسير بعض آية منها، وأما معرفته وبصره بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقواله وأفعاله وقضاياه ووقائعه وغزواته وسراياه وبعوثه وما خصه الله تعالى من كراماته ومعجزاته ومعرفته بصحيح المنقول عنه وسقيمه والمنقول عن الصحابة رضي الله عنهم في أقوالهم وأفعالهم وقضاياهم وفتاويهم وأحوالهم وأحوال مجاهداتهم في دين الله وما خصوا به من بين الأمة فإنه كان رضي الله عنه من أضبط الناس لذلك، وأعرفهم فيه، وأسرعهم استحضاراً لما يريده منه، فإنه قل أن ذكر حديثاً في مصنف أو فتوى أو استشهد به أو استدل به إلا وعزاه في أي دواوين الإسلام هو، ومن أي قسم من الصحيح أو الحسن أو غيرهما، وذكر اسم راويه من الصحابة، وقل أن سئل عن أثر إلا وبيّن في الحال حاله وحال أكثره وذاكره، ولا والله ما رأيت أحداً أشد تعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحرص على اتباعه ونصر ما جاء به منه، حتى كان إذا أورد شيئاً من حديثه في مسألة ويرى أنه لم يجد غيره من حديثه يعمل ويقضي ويفتي بمقتضاه، ولا يلتفت إلى قول غيره من المخلوقين كائناً من كان، ومنحه الله تعالى بمحرفة اختلاف العلماء ونصوصهم وكثرة أقوالهم واجتهادهم في المسائل وما روي عن كل منهم من راجح ومرجوح ومقبول ومردوده في كل زمان ومكان، ونظره الصحيح الثاقب الصلب للحق مما قالوه ونقلوه وعزوه ذلك إلى الأماكن التي بها أودعوه، حتى كان إذا اشتغل عن شيء من ذلك كان كأن جميع المنقول فيه عن الرسول وأصحابه والعلماء من الأولين والآخرين متصور ومسطور بإزائه يقول منه ما يشاء ويذر ما يشاء، وهذا قد اتفق عليه كل من رآه، وقل كتاب من فنون العلوم إلا وقد وقف عليه، فكأن الله تعالى قد خصه بسرعة الحفظ وبطء النسيان، لم يكن يقف على شيء ويسمع بشيء غالباً إلا ويبقى على خاطره، إما بلفظه أو معناه ع وكان العلم كأنه قد اختلط بلحمه ودمه وسائره، فإنه لم يكن له مستعاراً بل كان له شعاراً ودثاراً، جمع الله له ما خرق له العادة، ووفقه في جميع عمره لإعلام السعادة، وجعل مآثره لإمامته من أكبر شهادة، حتى اتفق كل ذي عقل سليم أنه ممن عني نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله: "إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر