للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمره خاضعين لقوله، وادين أن يتقربوا إلى قلبه مهما أمكنهم مظهرين لإجلاله، فأين حاله هذا من حال من أغراهم الشيطان بالوقيعة فيه، أما نظروا ببصائرهم إلى صفاتهم وصفاته، وسماتهم وسماته، وتحاسدهم في طلب الدنيا وفراغه عنها، ومبالغته في الهرب منها، وخدمتهم للأمراء واختلافهم إلى أبوابهم وذل الأمراء بين يديه وعدم اكتراثه بهم، وقوة جأشه في محاوراتهم؟ بلى والله ولكن قتلتهم الحالقة حالقة الدين لا حالقة النعم.

وأما إيثاره مع فقره؛ فكان رضي الله عنه مع رفضه للدنيا وتقلله منها مؤثراً بما عساه يجده منها قليلاً كان أو كثيراً، لا يحتقر القليل فيمنعه ذلك عن التصدق به، ولا الكثير فيصرفه النظر إليه عن الإسعاف به، فقد كان يتصدق حتى إذا لم يجد شيئاً نزع بعض ثيابه فيصل به الفقراء، وكان يستفضل من قوته الرغيف والرغيفين فيؤثر بذلك على نفسه.

وذكر الشيخ صالح زين الدين علي الواسطي أنه أقام بحضرة الشيخ مدة طويلة، قال: فكان قوتنا أنه يأتيني بكرة النهار ومعه قرص قدره نصف رطل بالعراقي فيكسره بيده لقماً ويأكل، ثم يرفع يده قبلي، ولا يفرغ باقي القرص من بين يدي حتى أشبع إلى الليل، وكنت أرى ذلك من بركة الشيخ، ثم بعد عشاء الأخيرة يؤتى بعشائنا فيأكل هو معي لقيمات ثم يؤثرني بالباقي، وكنت أسأله أن يزيد على أكله فلا يفعل، حتى أني كنت في نفسي أتوجع له من قلة أكله، وكان هذا أكلنا في غالب مدة إقامتي عنده، وما رأيت نفسي أعز منها في تلك المدة، ولا رأيتني أجمع هماً مني فيها.

وحكى غير واحد ما اشتهر عنه من كثرة الإيثار وتفقد المحتاجين والغرباء واجتهاده في مصالحهم وصلاتهم ومساعدته لهم بل ولكل أحد من العامة والخاصة ممن يمكنه فعل الخير معه وإسداء المعروف إليه بقوله أو فعله ووجهه وجاهه.

وأما كرمه، فكان رضي الله تعالى عنه مجبولاً على الكرم ولا يتنطعه ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>