للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتصنعه بل هو له سجية، وكان لا يرد من يسأل شيئاً يقدر عليه من دراهم ودنانير وثياب وكتب.

وقال الحافظ ابن فضل الله العمري: كانت تأتيه القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث فيهب ذلك بأجمعه، ويضعه عند أهل الحاجة في موضعه، لا يأخذ منه شيئاً إلا ليهبه، ولا يحفظه إلا ليذهبه.

وقال في موضع آخر: كان يجيئه من المال في كل سنة ما لا يكاد يحصى، فينفقه جميعه آلافاً ومئين، لا يلمس منه درهماً بيده، ولا ينفقه في حاجته، بل كان إذا لم يقدر يعمد إلى شيء من لباسه فيدفعه إلى السائل، وذلك مشهور عند الناس من حاله.

حكى من يوثق به قال: كنت يوماً جالساً بحضرة شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه فجاء إنسان فسلم عليه فرآه الشيخ محتاجاً إلى ما يعتم به فنزع الشيخ عمامته من غير أن يسأله الرجل فقطعها نصفين واعتم بنصفها ودفع النصف الآخر لذلك الرجل ولم يحتشم للحاضرين عنده.

وحديث من يوثق به أن الشيخ رضي الله تعالى عنه كان ماراً في بعض الأزقة فدعا له بعض الفقراء وعرف الشيخ حاجته ولم يكن مع الشيخ ما يعطيه فنزع ثوباً على جلده ودفعه إليه، وقال: بعه بما تيسر وأنفقه، واعتذر إليه من كونه لم يحضر عنده شيء من النفقة.

وسأله إنسان كتاباً ينتفع به فقال خذ ما تختار، فرأى ذلك الرجل بين كتب الشيخ مصحفاً قد اشتري بدراهم كثيرة فأخذه ومضى، فلام بعض الجماعة الشيخ في ذلك، فقال: أكان يحسن بي أن أمنعه بعد ما سأله؟ دعه فلينتفع به. وكان رضي الله تعالى عنه ينكر إنكاراً شديداً على من ينال شيئاً من كتب العلم التي يملكها ويمنعها من السائل، ويقول ما ينبغي أن يمنع العلم ممن يطلبه.

وأما لباسه؛ فكان رضي الله تعالى عنه متوسطاً في لباسه لا يلبس فاخر الثياب بحيث يرمق ويمد النظر إليه، ولا أطماراً ولا غليظة تشهر لابسها من عالم

<<  <  ج: ص:  >  >>