للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حدث: فوالذي نفسي بيده ما مضى إلا ثلاث منذ قوله حتى رأينا رؤوسهم كما قال الشيخ على ظاهر دمشق معبأة بعضها فوق بعض.

وكان الشيخ يعود المريض، فمرض شاب بدمشق فكان يعوده في كل يوم فجاء يوماً الشاب فدعا له فشفي سريعاً، وقال له عاهد الله أن تعجل الرجوع إلى بلدك أيجوز أن تترك زوجتك وبناتك ضيعة وتقيم ههنا؟ قال الشاب: فقبلت يده وقلت: يا سيدي إني تائب إلى الله، وعجبت مما كاشفني به وكنت قد تركتهن بلا نفقة، ولم يكن عرف بحالي أحد من أهل دمشق.

ومضى بعض الفضلاء متوجهاً إلى مصر لِيَلِيَ القضاء وعزم على قتل رجل صالح بها إذا وصل، فلما بلغ الشيخ ذلك قال إن الله لا يمكنه ما قصد ولا يصل إلى مصر حياً، فبقي بين القاضي وبين مصر قدر يسير وأدركه الموت.

وذكر الحافظ ابن عبد الهادي بن قدامة أن الشيخ لما أفتى بمسألة شد الرحال للقبور اجتمع جماعة معروفون بدمشق وضربوا مشورة في حق الشيخ، فقال أحدهم ينفى فنفي القائل، وقال آخر يقطع لسانه فقطع لسان القائل، وقال اخر يعزر فعزر القائل، وقال آخر يحبس فحبس القائل، قال: وأخبرني بذلك من حضر هذه المشورة وهو كاره لها.

وبالجملة؛ فكرامات الشيخ رحمه الله تعالى كثيرة جداً، قالوا: ومن أظهر كراماته أنه ما سمع بأحد عاداه أو تنقصه إلا وابتلي بلايا غالبها في دينه، قالوا: وهذا ظاهر مشهور لا يحتاج فيه إلى شرح صفته، قالوا ومن أمعن النظر ببصيرته لم ير عالماً من أهل أي بلد شاء موافقاً له مثنياً عليه إلا ورآه من اتبع علماء بلده للكتاب والسنة، وأشغلهم بطلب الآخرة والرغبة فيها، وأبلغهم في الإعراض عن الدنيا والإهمال لها، ولا يرى عالماً مخالفاً له منحرفاً عنه إلا وهو من أكبرهم نهمة في جمع الدنيا، وأكثرهم رياء وسمعة، والله أعلم.

وأما شجاعته وجهاده؛ فأمر متجاوز للوصف، فكان رضي الله تعالى عنه كما قال الحافظ سراج الدين أبو حفص في مناقبه: هو من أشجع الناس وأقواهم قلباً،

<<  <  ج: ص:  >  >>