للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما رأيت أحداً أثبت جأشاً منه، ولا أعظم في جهاد العدو منه، كان يجاهد في سبيل الله بقلبه ولسانه ويده، ولا يخاف في الله لومة لائم، وأخبر غير واحد أن الشيخ كان إذا حضر مع عسكر المسلمين في جهاد يكون بينهم، إن رأى من بعضهم هلعاً أو جبناً شجعه وثبته وبشره ووعده بالنصر والظفر والغنيمة، وبيّن له فضل الجهاد والمجاهدين، وكان إذا ركب الخيل يجول في العدو كأعظم الشجعان، ويقوم كأثبت الفرسان، وينكي العدو من كثرة الفتك بهم، ويخوض بهم خوض رجل لا يخاف الموت، وحدثوا أنهم رؤوا منه في فتح عكة أموراً من الشجاعة يعجز الوصف عن وصفها، قالوا ولقد كان السبب في تملك المسلمين إياها بفعله ومشورته وحسن نظره.

ولما ظهر السلطان ابن غازان على دمشق المحروسة جاءه ملك الكرج وبذل له أموالاً كثيرة جزيلة على أن يمكنه من الفتك بالمسلمين من أهل دمشق فوصل الخبر إلى الشيخ فقام من فوره وشجع المسلمين، ورغبهم في الشجاعة، ووعدهم على قيامهم بالنصر والظفر والأمن، وزوال الخوف، فانتدب منهم رجلاً من وجوههم وكبرائهم وذوي أحلامهم، فخرجوا معه إلى حضرة السلطان غزان، فلما رأى الشيخ أوقع الله له في قلبه هيبة عظيمة، حتى أدناه منه وأجلسه، وأخذ الشيخ في الكلام معه في عكس رأيه من تسليط المخذول ملك الكرج على المسلمين، وأخبره بحرمة دماء المسلمين، وذكره ووعظه، فأجابه إلى ذلك طائعاً، وحقنت بسببه دماء المسلمين، وحميت ذراريهم وصين حريمهم.

وقال الشيخ كمال الدين ابن الأنجا قدس الله روحه: كنت حاضراً مع الشيخ فجعل يحدث السلطان بقول الله ورسوله في العدل وغيره ويرفع صوته على السلطان ويقرب منه في أثناء حديثه، حتى لقد قرب أن يلاصق بركبته ركبة السلطان، والسلطان مع ذلك مقبل عليه بكليته مصغ لما يقول شاخص إليه لا يعرض عنه، وإن السلطان من شدة ما أوقع الله له في قلبه من المحبة والهيبة سأل من هذا الشيخ؟ فإني لم أر مثله ولا أثبت قلباً منه ولا أوقع من حديثه في قلبي ولا رأيتني أعظم انقياداً لأحد منه، فأخبر بحاله وما هو عليه من العلم والعمل، فقال

<<  <  ج: ص:  >  >>