الشيخ للترجمان قل للغازان أنت تزعم أنك مسلم ومعك قاض وإمام وشيخ ومؤذنون على ما بلغنا فغزوتنا وأبوك وجدك كانا كافرين وما عملا الذي عملت، عاهدا فوفيا وأنت عاهدت فغدرت وقلت فما وفيت وجرت، ثم خرج من بين يديه مكرماً معززاً بحسن نيته الصالحة من بذل نفسه في طلب حقن دماء المسلمين فبلغه الله تعالى ما أراده، وكان أيضاً سبباً لتخليص غالب أسارى المسلمين من أيديهم وردهم على أهليهم وحفظ حريمهم، وهذا من أعظم الشجاعة والثبات وقوة التجاسر، وكان يقول: لن يخاف الرجل غير الله إلا لمرض في قلبه، فإن رجلاً شكى إلى أحمد بن حنبل خوفه من بعض الولاة فقال له: لو صححت لم تخف أحداً أي خوفك من أجل زوال الصحة من قلبك.
وأخبر قاضي القضاة أبو العباس أنهم لما حضروا مجلس غازان قدم لهم طعام فأكلوا منه إلا ابن تيمية، فقيل لم لم تأكل؟ فقال: كيف آكل من طعامك وكله مما نهبتم من أغنام الناس، طبختموه بما قطعتم من أشجار الناس؟
ثم إن غازان طلب منه الدعاء، فقال في دعائه: اللهم إن كنت تعلم أنه إنما قاتل لتكون كلمة الله هي العليا وجاهد في سبيلك فأن تؤيده وتنصره، وإن كان للملك والدنيا والتكاثر فأن تفعل به وتصنع، فكان يدعو عليه وغازان يؤمن على دعائه، ونحن نجمع ثيابنا خوفاً أن يقتل فيطرطس بدمه، ثم لما خرجنا قلنا له: كدت تهلكنا معك ونحن ما نصحبك من هنا، فقال: وأنا لا أصحبكم، فانطلقنا عصبة وتأخر، فتسامعت به الخوانين والأمراء فأتوه من كل فج عميق، وصاروا يتلاحقون به ليتبركوا برؤيته، فما وصل إلا في نحو ثلاثمائة فارس في ركابه، وأما نحن فخرج علينا جماعة فشلحونا، فانظر- كما قال الحافظ ابن فضل الله العمري- إلى قيامه في دفع حجة القتال واقتحامه، وسيوفهم تدفق لجة البحار، حتى جلس إلى السلطان محمود غازان حيث لجم الأسد في آجامها، وتسقط القلوب في دواخل أجسامها، خوفاً من ذلك السبع المغتال، والنمرود المختال، والأجل الذي لا يدفع بحيلة محتال، فجلس إليه وأومأ بيده إلى صدره، وواجهه ودرأ في نحره، وطلب منه الدعاء فرفع يديه ودعا دعاء منصف أكثره عليه، وغازان يؤمن على