للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دعائه وهو مقبل إليه، ثم كان على هذه المواجهة القبيحة والمشاتمة الصريحة أعظم في صدر غازان والمغل من كل من طلع معه من سلف العلماء في ذلك الصدر، وأهل الاستحقاق لرفعة القدر، هذا مع ماله من جهاد في الله، لم يفترعه فيه طلل الوشيج، ولم يجرعه فيه ارتفاع النسيج، مواقع حروب باشرها، وطوائف ضروب عاشرها، وبوارق صفاح كاشرها، ومضايق رماح حاشرها، وأصناف خصوم لد قطع جدالها قوي لسانه، وجلاها بسنا سنانه، وجرت له مع غازان وقطلو شاه وبولاي أمور ونوب قام فيها كلها لله، وقال الحق ولم يخش إلا الله.

ولما قدم بعد ذلك عام سبعمائة التتار مع غازان لفتح الشام والاستيلاء على من بها من المؤمنين ركب الشيخ البريد إلى الجيش المصري فدخل القاهرة في ناس يوم حادي عشر جمادى الأولى، فاجتمع بأركان الدولة وحثهم على الجهاد، وتلا عليهم الآيات والأحاديث، وأخبرهم بما أعد الله للمجاهدين من الثواب، فاستقاموا وقويت هممهم ٤ وأبدوا له عذر المطر والبرد، ونودي بالغزاة، وقوي العزم، وعظموه وأكرموه، وتردد الأعيان إلى زيارته، واجتمع به في هذه السنة ابن دقيق العيد، ثم في اليوم السابع والعشرين من جمادى الأولى المذكور وصلى الشيخ إلى دمشق على البريد، وأرسل الله على العدو من الثلج العظيم والبرد الشديد والريح العاصف والجوع المزعج ما الله به عليم، فأصاب غازان وجنوده وأهلكهم، وكان سبب رحيلهم، وفرق الله بين قلوب العدو المغول والكرج والفرس والمستعربة، وألقى بينهم تعادياً وتباغضاً، كما ألقى عام الأحزاب بين قريش وغطفان وبين اليهود، فأرسل الشيخ كتاباً مطولاً لمصر يقول فيه: لما ثبت الله قلوب المسلمين صرف العدو جزاء منه لبيان أن النية الخالصة والهمة الصادقة ينصر الله بها وإن لم يصنع الفعل وإن تباعدت الديار.

وحكي من شجاعة الشيخ في مواقف الحروب نوبة شقحب سنة اثنتين وسبعمائة ونوبة كسروان ما لم يسمع إلا عن صناديد الرجال، وشجعان الأبطال، فكان تارة يباشر القتال، وتارة يحرض عليه قائماً شاكياً سلاحه ولأمة حربه يوصي

<<  <  ج: ص:  >  >>