للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس بالثبات، ويعدهم بالنصر، ويبشرهم بالغنيمة، وركب البريد إلى مهنى بن عيسى واستحضره إلى الجهاد، وركب بعدها إلى السلطان واستنفره وواجهه بالكلام الغليظ وواجه أمراءه وعساكره، ولما جاء السلطان الملك الناصر بجيوش الإسلام للقاء القتال جعل الشيخ يشجع السلطان ويثبته، فلما رأى السلطان كثرة التتار قال يا لخالد بن الوليد! فقال له: لا تقل هذا، بل قل: يا الله؛ واستغث بالله ربك ووحده تنصر، وقل: يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين. ثم صار تارة يقبل على الخليفة وتارة على السلطان ويهديهما ويربط جأشهما حتى جاء نصر الله والفتح. وحكي أنه قال للسلطان: اثبت فإنك منصور، فقال له بعض الأمراء: قل إن شاء الله. فقال إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً، فكان كما قال.

وحكى بحض حجاب الأمراء قال: قال لي الشيخ يوم اللقاء وقد تراءى الجمعان: يا فلان؛ أوقفني موقف الموت، قال: فسقته إلى مقابلة العدو- وهم منحدرون كالبدر تلوح أسلحتهم من تحت الغبار- وقلت له: هذا موقف الموت فدونك وما تريد، قال: فرفع طرفه إلى السماء وأشخص بصره وحرك شفتيه طويلاً ثم انبعث وأقدم على القتال، وقد قيل إنه دعا عليهم وأن دعاءه استجيب منه في تلك الساعة، قال: ثم حال القتال بيننا والالتحام وما عدت رأيته حتى فتح الله ونصر، ودخل جيش الإسلام إلى دمشق المحروسة والشيخ في أصحابه شاكياً في سلاحه، عالية كلمته، قائمة حجته، ظاهرة ولايته، مقبولة شفاعته، مجابة دعوته، ملتمسة بركته، مكرماً معظماً، ذا سلطان وكلمة نافذة، وهو مع ذلك يقول للمادحين له: أنا رجل ملة لا رجل دولة، قال بعض أصحابه- وقد ذكر هذه الواقعة وكثرة من حضرها من جيوش المسلمين-: وقد اتفق كلهم وأجمعوا على تعظيم الشيخ تقي الدين ومحبته، وسماع كلامه ونصيحته، واتعظوا بمواعظه، ولم يبق من يكون بالشام تركي ولا عربي إلا واجتمع بالشيخ في تلك المدة، واعتقد خيره وصلاحه، ونصحه لله ولرسوله والمؤمنين.

ثم لم يزل الشيخ رحمه الله تعالى قائماً أتم قيام على قتال أهل جبل كسروان وكتب إلى أطراف الشام في الحث على قتالهم، وأنها غزاة في سبيل

<<  <  ج: ص:  >  >>