للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مذهب السلف ورجحه على مذهب المتكلمين، وكان قبل ذلك بقليل أنكر أمر المنجمين، واجتمع به سيف الدين جاغان في حال نيابته بدمشق وقيامه مقام نائب السلطنة، وامتثل أمره وقبل قوله، والتمس منه كثرة الاجتماع به، فحصل بسبب ذلك ضيق لجماعته مع ما كان عندهم قبل ذلك من كراهية الشيخ، وما ألمهم بظهوره وذكره الحسن، فانضاف شيء إلى أشياء، ولم يجدوا مساغاً إلى الكلام فيه لزهده، وعدم إقباله على الدنيا، وترك المزاحمة على المناصب، وكثرة علمه وجودة أجوبته وفتاويه، وما يظهر فيها من غزارة العلم وجودة الفهم، فعمدوا إلى الكلام في العقيدة لكونهم يرجحون مذهب المتكلمين في الصفات والقرآن على مذهب السلف، ويعتقدونه الصواب، فأخذوا الجواب الذي كتبه، ثم سعوا السعي الشديد إلى القضاة والفقهاء واحداً واحداً، وأوغروا خواطرهم وحرفوا الكلام وكذبوا الكذب الفاحش، وجعلوه يقول بالتجسيم وحاشاه من ذلك، ووافقهم على ذلك جلال الدين الحنفي قاضي الحنفية يومئذ ومشى معهم إلى دار الحديث الأشرفية، وطلب حضوره وأرسل إليه فلم يحضر، وأرسل إليه في الجواب أن العقائد ليس أمرها إليك وأن السلطان إنما ولاّك لتحكم بين الناس، وأن إنكار المنكرات ليس مما يختص به القاضي فوصلت إليه هذه الرسالة فأوغروا خاطره، وشوشوا قلبه، وقالوا لم يحضر ورد عليك، فأمر بالنداء على بطلان عقيدته في البلدة، فنودي في بعض البلد، ثم بادر سيف الدين جاغان وأرسل طائفة فضرب المنادي وجماعة ممن حوله وأخرق بهم، فرجعوا مضروبين في غاية الإهانة، ثم طلب سيف الدين من قام في ذلك وسعى فيه، فدارت الرسل والأعوان عليهم في البلد فاختفوا.

ثم اجتمع الشيخ ابن تيمية بالقاضي إمام الدين الشافعي وواعده لقراءة العقيدة الحموية، فاجتمعوا يوم السبت رابع عشر الشهر من بكرة النهار إلى نحو الثلث من ليلة الأحد- ميعاداً طويلاً- وقرأ فيه جميع العقيدة، وبين مراده من مواضع أشكلت ولم يحصل إنكار عليه من الحاكم ولا ممن حضر المجلس، بحيث انفصلوا والقاضي يقول: كل من تكلم في الشيخ فأنا خصمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>