ومن قال للناس اثبتوا يوم شقحب ... فإن الأعادي في انهزام وخذلان
فمن خشي الرحمن بالغيب واتقى ... إله البرايا خافه كل سلطان
وما ضره إن طال في السجن مكثه ... إذا كان في نسك وطاعة رحمن
منيباً إلى مولاه يقطع وقته ... بنقل حديث أو بتفسير قرآن
ولم يك مشغوفاً بحب رياسة ... ولا شد بغلات ولا حسن غلمان
ولا كان مشغولاً بجاه ومنصب ... ولا رفع بنيان ولا غرس بستان
ولكن بعلم نافع وعبادة ... وزهد وإخلاص وصبر وإيمان
وفي موته قد كان للناس عبرة ... لما شاهدوا من غير زور وبهتان
إذ انتشروا مثل الجراد وكاد أن ... تزيغ عقول من رجال ونسوان
وسار على أعناقهم نحو قبره ... يجاور مولى ذا امتنان وغفران
إلى الذهب الغالي دعاه إلهه ... وذاك له خير من الخزف الفاني
دعاه إلى جنات عدن وطيبها ... ومتعه فيها بحور وولدان
فنسأل رب العرش يجمع شملنا ... به في جنان الخلد من قبل حرمان
ويجبرنا بعد انكسار قلوبنا ... ويروي برؤيا وجهه كل ظمآن
(ومنها لبعض الفضلاء من جند مصر أرسلها بعد عرضها على الإمام أبي حيان النحوي) :
خطب دهى فبكى له الإسلام ... وبكت لعظم بكائه الأيام
وبكت لعبرتها السماء فأمطرت ... في غير فصل تسمح الأعوام
وبكت له الأرض الجليدة بعدما ... أضحى عليها وحشة وقتام
وتزلزلت كل القلوب لفقده ... وتواترت من بعده الآلام
وتفجع الدين القويم لفقده ... وبقي غريباً يبتلى ويضام
مذمات ناصره الذي أوصافه ... أبداً تكون على سواه حرام
لتقي دين الله وصف باهر ... وخصائص خضعت له الأفهام
ومواهب من ذي الجلال تمده ... ليتم فخر شامخ ومقام
وعزا تقي الدين أحمد ماله ...
حد فتحمل فقده الأجسام