وجفا العباد لشغله بحبيبه ... فوداده للأقربين سلام
وله مقام في الوصول لربه ... ومكانة نطقت بها الأغتام
وله فتوح من غيوب إلهه ... وتحزن وتمسكن وكلام
وتصوف وتقشف وتعفف ... وقراءة وعبادة وصيام
وعناية وحماية ووقاية ... وصيانة وأمانة ومقام
وله كرامات سمت وتعددت ... ولها على مر الدهور دوام
من رد من أرض الشآم بعزمه ... من صد وجه الكفر وهو حسام
من رد غازان الهمام بحسرة ... من خلص الأسرى وهم أيتام
من قام بالفتح المبين مؤيداً ... في كسروان وهم طغاة عظام
من جد في بدع الضلالة حربه ... فإذا لهم بعد الرضاع فطام
من سار في سنن الرسول ونصرها ... حتى استقر لأمرهن نظام
من قام في خذل الصليب ودينه ... لما تداعوا للأنأم وقاموا
فوهوا وردوا خائبين بذلة ... وعليهم فوق الوجوه ظلام
فالأمر بالمعروف يفقد بعده ... والفاعلون النكر ليس يلاموا
فكأن أشراط القيامة قد دنت ... وانحل من سرج الزمان حزام
فالعلم فينا ليس يقبض دفعة ... كلا ولا يأتي حماه حمام
لكن بقبض الراسخين ذهابه ... وزواله وبقي رعاع طغام
لله ما لاقى تقي الدين من ... محن تتابعه وهن ضخام
ومكاره حفت بكل شديدة ... ومواقف زلت بها الأقدام
ومكايد نصبت له وحبائل ... قصدا إليه فردها الإقدام
فحكى ابن حنبل في فنون بلائه ... بجنان ثبت ليس فيه مذام
وبسجنه وبحصره ونكاله ... حتى رثى العذال واللوام
فأراد رب العرش جل جلاله ... للقائه مذ حانه الإعدام
وأتاه آتِ الموت يخطب نفسه ... فأجابه طوعاً له القمقام
فخلت منابره وأوحش ربعه ...
وتهدمت عند الرحيل خيام