من المعلوم أن كل مذهب من المذاهب الأربعة أهله أعلم وأدرى بأحوال علماء مذهبهم، لكثرة تدقيقهم في أقوالهم، وتنقيبهم عن أحوالهم، وتتبعهم لمحاسنهم ومساويهم، ويروي ذلك خلفهم عن سلفهم، ليأخذوا بأقوالهم في المذهب أو يردوها، أو يعتمدوها أو يضعفوها، وقد نظرنا إلى هذين الإمامين ابن حجر وابن تيمية، فوجدنا ابن حجر إماماً في مذهب الشافعي لا يعادله فيه أحد من الأئمة المتأخرين سوى الشمس الرملي على خلاف بين العلماء في الترجيح بينهما، أما إذا اتفقا على حكم وجب المصير إليه عند كافة علماء مذهب الشافعي على الإطلاق، فهذه منزلة ابن حجر في مذهبه، وهي معلومة لا ينكرها أحد، ولا يدّعي خلافها جاهل فضلاً عن عالم، ومؤلفاته في الفقه هي عمدة مذهب الشافعي من عصره إلى الآن، وكلها محررة مقبولة بإجماع أهل مذهبهم وغيرهم، وهي كثيرة، وأكثرها مطولات في عدة مجلدات: منها شرح العباب، وتحفة المحتاج شرح المنهاج، والإمداد شرح الإرشاد ثم اختصره في مجلدين، وسماه (فتح الجواد) وألّف عليه حاشيته، والفتاوى الكبرى، وشرح الحضرمية، وحاشية مناسك النووي، ومختصر المناسك المذكورة ومختصر الروض، هذا ما استحضرته الآن من كتبه الفقهية.
وله مؤلفات كثيرة في الحديث وغيره، وكلها نالت منتهى القبول، والناس عليها في غاية الإقبال، وأكثرها مطولات، منها شرح مشكاة المصابيح، والزواجر عن اقتراف الكبائر، والصواعق المحرقة لأهل الرفض والزندقة، وأسنى المطالب في صلة الأقارب، وشرح الشمائل، وشرح الهمزية، وشرح الأربعين النووية، والإعلام بقواطع الإسلام، وكف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع، والإيضاح والبيان بما في ليلة الرغائب والنصف من شعبان، وغير ذلك مما لم يحضرني الآن ذكره.
وكلها يتنافس باقتنائها المتنافسون، ويعتمد عليها من جميع المذاهب العلماء المحققون، ولا يخلو منها في الغالب مكتبة من المكاتب، فيا لها من مؤلفات جليلة خدم بها الدين، ونفع بها المسلمين، وانتشرت في العالمين،