وتلقاها الناس بالقبول التام في جميع بلاد الإسلام، للاتفاق على أنه أحد الأئمة الأعلام، الذين لم يطعن فيهم أحد من علماء مذهب الإسلام من عصره إلى الآن، ولم ينسبه واحد منهم إلى بدعة أو مخالفة سنة، وقد كان يعتقد في ساداتنا الصوفية أحسن الاعتقاد، ويثني عليهم أحسن الثناء، ويجيب عنهم بأحسن الأجوبة، فشملته بركاتهم وعمته نفحاتهم، وبالجملة فقد كان من أكابر أئمة العلماء العاملين، الهداة المهديين، الذين جددوا وأيدوا بعلمهم هذا الدين المبين، وعم نفعهم جميع المسلمين، فوقع على قبوله والإقبال على كتبه الاتفاق في جميع الآفاق.
قال: وأما ابن تيمية فهو أيضاً إمام من أئمة الإسلام، وقد كان من الممتازين في عصره في العلم والعمل، والتصلب في الدين، بحيث لا تأخذه في الحق لومة لائم، حتى أنه جرى عليه بسبب مخالفته لما عليه جمهور الأمة من بدعه المعلومة التي شذ بها إهانات كثيرة، وحبس بها مراراً، إلى أن توفي في الحبس، ولم يرجع عما ظهر له أنه الحق من تلك البدع، وكان من أكابر حفاظ الحديث، وله في علوم الدين مؤلفات كثيرة مطولات ومختصرات قل من وفقه الله لمثلها، ولكن الله تعالى لم يقدر الانتفاع بعلمه وكتبه كالانتفاع بعلم الإمام ابن حجر وكتبه، فإن كتبه رحمه الله على كثرتها ونفاستها بقيت في زوايا الإهمال، ولم يقبل عليها جمهور العلماء وغيرهم، ولا تلقوها بالقبول، فذهب أكثرها ضياعاً، ولا يوجد منها الآن بين الناس إلا القليل، ومعلوم أن ذلك من الله وحده لا شريك له، فهو الذي نشر علم ابن حجر وكتبه في الأمة نشراً تاماً، بحيث انتفع بها الخاص والعام في سائر بلاد الإسلام، وهو سبحانه الذي صرف القلوب عن كتب ابن تيمية حتى لم يبق منها إلا القليل النادر، وقلما يوجد منها شيء في مكتبة من المكاتب الموقوفة والمملوكة، وإذا وجد لا ينتفع بها، مع أن كتبه كلها تدل على أنه من أكابر أئمة الإسلام، إلا أنه قلما يخلو كتاب منها من شذوذ يخالف به مذاهب المسلمين، ويشنع على علماء الدين، ولاسيما الأولياء العارفين. إلى أن قال: وأظن بل أتيقن أن السبب الوحيد لعدم انتفاع الناس بكتب ابن تيمية وعلمه مع جلالة قدره شذوذه في تلك