الحجاب، وانظر إلى أحواله صلى الله عليه وسلم في الدنيا لم يظهر لنا منها إلا ما أخبرنا الحق تعالى من علو مرتبته، ولولا ذلك جهلنا قدره في الآخرة، يظهر مقامه للخاص والعام فلا يظهر كماله إلا في الآخرة، وكذلك كمل الرجال لأنها دار ظهور النتائج، وأما الدنيا فإنما هي دار أعمال، فمن طلب ظهور النتائج فيها فقد قلب الموضوع، وباع آخرته بعرض من الدنيا فافهم.
قال: وقال أبو الحسن الشاذلي: لما علم الله سبحانه وتعالى أنه لا بد أن يتكلم في أنبيائه وأصفيائه قضى على قوم بالشقاوة فنسبوه إلى اتخاذ الصاحبة والولد، حتى إذا ضاق الولي ذرعاً من كلام قيل فيه؛ نادته هواتف الحق: هذا وصفك لولا لطفي بك. فافهم وطب نفساً وقر عيناً بجميع ما يقال فيك، فإن جميع المنكرين رحمة من الله عليك، وإلا لو عكس الأمر وجعلك منكراً عليه كالكافر أو العاصي ماذا كنت تفعل، فاحمد الله سبحانه وتعالى، واسلك سبيل الأصفياء.
وكثرة المدح من جميع الخلق لا يغني عنك من الله شيئاً وأنت عنده بخلاف ذلك، وكثرة الذم والأذى من الخلق لا يضرك شيئاً وأنت عنده بخلاف ذلك، بل جميع المنكرين يفارقونك بالموت، فهل ينزلون معك في القبر فيتعصبون عليك ويتولون سؤالك أو حسابك في الآخرة؟ واحذر حين مدح الخلق لك أن تظهر التواضع فتحقر نفسك لما يعظمونك، فإن ذلك يزيدك تعظيماً عندهم، بل اسكت إيهاماً لهم بأنك تحب المدح بما ليس فيك، هذا هو الأصلح لك دائماً فافهم.
فإن قال لك الشيطان: هذا مما ينفر القلوب منك وأنت تنفع الناس وتعلمهم الخير وإنما يليق هذا الحال بالسواح الذين خربوا حالهم، فقل له: إنما أنظر إلى المحرك لهم وهو الله تعالى، فإن أقام في باطنهم تعظيماً لي عظموني ولا يمكنهم أن يحقروني، وأشهد ذلك فضلاً منه، وإن أقام في باطنهم تحقيراً لي لا يمكنهم التعظيم لي ولو أظهرت لهم كل كرامة فافهم.