وبالجملة؛ فمن كان قصده التعظيم عند الخلق لم يزل في تكدير، لأنه لا بد في الوجود من منكر عليه، وطلبه من جميع الخلق أن يقبلوا عليه بالثناء والحمد والاعتقاد جهل منه، فلا بد له من ذام ومادح ولو كان في فضل نحو الصحابة رضي الله عنهم، وقد كان شخص يذم الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وينكر عليه فاجتمع به المنكر فأثنى عليه بحضرة الصحابة رضي الله عنهم على خلاف عادته، فقال الإمام علي رضي الله عنه: أنا دون ما تقول، وفوق ما في نفسك.
فافهم فهمنا الله وإياك، فإن من رضي بعلم الله فيه لا يتغير، ولو توجه إليه الثقلان بالذم والتنقيص، ولا يغيره على الله شيء، بل شأن العبد الغفلة عما الناس فيه مطلقاً شغلاً بسيده، وقد رأيت هاتفاً يقول على لسان الحق تعالى: من شهد الأمور كلها مني لم يتغير لوجدان ولا فقد، ومن خرج من مضرتي سلطت عليه أعدائي، فلا يلومن إلا نفسه، والسلام، فافهم فهمنا الله وإياك. انتهى.
ثم نقل الإمام الرافعي عن ابن عطاء الله الإسكندري أنه قال في حكمه: إنما أجرى عليك الأذى على يديهم، كيلا تكون ساكناً إليهم، أراد أن يزعجك عن كل شيء حتى لا يشغلك عنه شيء.
قال شارحها ابن عباد: وجود أذية الناس للعبد نعمة عظيمة عليه، لاسيما ممن اعتاد منه الملاطفة والإكرام، والمبرة والاحترام، لأن ذلك يفيده عدم السكون إليهم، وترك الاعتماد عليهم، وفقد الأنس بهم، فيتحقق بذلك عبوديته لربه عز وجل.
قال الأستاذ أبو الحسن الشاذلي: آذاني إنسان مرة، فضقت به ذرعاً، فنمت فرأيت قائلاً يقول لي: من علامة الصديقية كثرة أعدائها ثم لا يبالي بهم.
وقال بعض العارفين: الصحبة مع العدو سوط الله يضرب به القلوب إذا