ساكنت غيره، لولا ذلك لرقد القلب في ظل العز والجاه، وهو حجاب عن الله عظيم.
وقال الأستاذ عبد السلام أستاذ أبي الحسن الشاذلي في دعائه: اللهم إن قوماً سألوك أن تسخّر لهم خلقك فسخرت لهم خلقك فرضوا منك بذلك، اللهم وإني أسألك اعوجاج الخلق عليّ حتى لا يكون ملجئي إلا إليك.
وقال أبو الحسن الوراق النيسابوري: الأنس بالخلق وحشة، والطمأنينة إليهم حمق، والسكون إليهم عجز، والاعتماد عليهم وهن، والثقة بهم ضياع، وإذا أراد الله بعبد خيراً جعل أنسه به وبذكره، وتوكله عليه، وصان سره عن النظر إليهم، وظاهره عن الاعتماد عليهم، وقد كان الزهاد يخرجون المال من الكيس، تقرباً إلى الله تعالى، وأهل الصفا والوفا يخرجون الخلق والمعارف من القلب، تحققاً بالله عز وجل.
قال الإمام الشعراني في "لطائف المنن": اعلم أن أولياء الله تعالى حكمهم في بداياتهم أن يسلط عليهم الخلق ليطهروا من البقايا، وتتكمل فيهم المزايا، وكيلا يساكنوا هذا الخلق باعتماد، أو يميلوا إليهم باستناد، ومن آذاك فقد أعتقك من رق إحسانه، ومن أحسن إليك فقد استرقك بوجود امتنانه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:"من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تقدروا فادعوا له"١. كل ذلك ليتخلص القلب من رق إحسان الخلق، وليتعلق بالواحد الحق.
قال: وقال الشيخ أبو الحسن: اهرب من خير الناس أكثر مما تهرب من شرهم، فإن خيرهم يصيبك في قلبك، وشرهم يصيبك في بدنك. إلى آخر ما قال.
والحاصل: أن تسليط الخلق على أولياء الله تعالى في مبدأ ظهورهم سنة الله
١ أخرجه أحمد (٢/٦٨، ٩٩، ١٢٧) والبخاري في "الأدب المفرد" (٢١٦) وأبو داود (١٦٧٢، ٥١٠٩) وغيرهم. وصححه الألباني في "الصحيحة" (٢٥٤) و"الإرواء" (٦/٦٠/١٦١٧) .