ثم قال: وما أحسن ما حققه بعض المحققين نصرة للأولين حيث قال ما حاصله- مع ما فيه من عبارات غير مراد بها ظاهرها-: من انتهى في سلوكه إلى الله تعالى وفيه استغرق في بحر التوحيد والعرفان، فحينئذ تضمحل ذاته في ذاته، وصفاته في صفاته ويغيب عنه كل ما سواه، فلا يرى في الوجود إلا الله تعالى، وهذا هو الذي يسمونه الفناء في التوحيد، وإليه يشير الحديث الإلهي:"لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فلئن سألني لأجيبنه، ولئن استعاذني لأعيذنه". وفي الحديث القدسي أيضاً عتاباً يوم القيامة لبعضهم:"مرضت فلم تعدني، جعت فلم تطعمني، عطشت فلم تسقني، فيقول: كيف ذلك وأنت رب العالمين؟ فيقول تعالى: مرض عبدي فلان فلم تعده، جاع عبدي فلان فلم تطعمه، عطش عبدي فلان فلم تسقه" الحديث١، وحينئذ فربما يصدر عن الولي عبارات تشعر بالحلول والاتحاد لقصور العبارة عن بيان تلك الحال، وتعذر الكشف عنها بالمثال، ونحن على ساحل التمني نحترف من بحر التوحيد بقدر الإمكان، ونغترف بأن طريق الفناء فيه العيان دون البرهان. انتهى.
فقد صرح أن ما في كتب ابن عربي كفر يجب تجنب ظواهره، فالفقيه إذا سمع من أحد كلمة كفر لا شك فيها يجب عليه الإفتاء على مقتضى ما يعلمه من الشريعة الغراء، وقد أطنب العلامة محمد أمين السويدي رحمه الله الكلام في شرحه على التعرف، الذي سماه (قلائد الدرر في شرح رسالة ابن حجر) وأتى في هذا المقام بما يشفي السقام، وكذا العلامة صاحب التعطف على التعرف فعليك بهما.
والمقصود؛ أن من اتبع الشريعة الغراء ولم يبتدع في أقواله ولا أعماله يجب على كل مسلم حبه والذب عنه والترحم عليه، ومن خالف الشريعة وتكلم بالكفر