من أذى الناس، وأن ذلك كان دليلاً على علو شأن من ابتلاه الله بمثل ذلك.
وللشيخ تقي الدين ابن تيمية رسالة كتبها وهو في السجن إلى بعض إخوانه لما أرسلوا إليه يشيرون عليه بالرفق مع خصومه ليتخلص من السجن.
ولنذكر شيئاً منها توضيحاً للمقام، فأقول: قال رحمه الله بعد البسملة:
الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً صلى الله عليه وسلم تسليماً.
أما بعد: فقد وصلت الورقة التي فيها رسالة الشيخين الجليلين العالمين الناسكين القدوتين، أيدهما الله تعالى وسائر الإخوان بروح منه، وكتب في قلوبهم الإيمان، وأدخلهم مدخل صدق، وأخرجهم مخرج صدق، وجعل لهم من لدنه ما يتم به السلطان؛ سلطان العلم والحجة بالبيان والبرهان، وسلطان القدرة والنصرة بالسنان والأعوان، وجعلهم من أوليائه المتقين، وحزبه الغالبين لمن ناوأهم من الأقران، ومن الأئمة المتقين الذين جمعوا بين الصبر والإيقان، والله محقق ذلك ومنجز وعده في السر والإعلان، ومنتقم من حزب الشيطان لعباد الرحمن، لكن اقتضت حكمته ومضت به سنته من الابتلاء والامتحان، الذي يميز الله به بين أهل الصدق والإيمان، من أهل النفاق والبهتان، إذ قد دل كتابه على أن لا بد من الفتنة لكل من ادّعى الإيمان، والعقوبة لذوي السيئات والطغيان، فقال تعالى:{الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} ١ فأنكر سبحانه على من يظن أن أهل السيئات يفوتون الطالب الغالب، وأن مدّعي الإيمان يترك بلا فتنة تميز بين الصادق والكاذب، وأخبر في كتابه أن الصدق بالإيمان لا يكون إلا بالجهاد في سبيله فقال تعالى: {قَالَتِ