للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} إلى قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} ١ وأخبر سبحانه بخسران المنقلب على وجهه عند الفتنة، الذي يعبد الله فيها على حرف، وهو الجانب والطرف الذي لا يستقر ما هو عليه، بل لا يثبت على الإيمان إلا عند وجود ما يهواه من خير الدنيا، فقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} ٢ وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} ٣ وقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} ٤ وأخبر سبحانه أنه عند وجود المرتدين فلا بد من وجود المحبين المحبوبين المجاهدين فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ٥ وهؤلاء الشاكرون لنعمة الإيمان الصابرون على الامتحان، كما قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} ٦.

فإذا أنعم الله على إنسان بالصبر والشكر كان جميع ما يقضي الله له من القضاء خيراً له، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيراً له؛ إن أصابته سراء فشكر كان خيراً له، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيراً له" ٧.

والصابر الشكور هو المؤمن الذي ذكره الله في غير موضع من كتابه، ومن لم ينعم الله عليه بالصبر والشكر فهو بشرَّ حال، وكل واحد من السراء والضراء في


١ سورة الحجرات: ١٤- ١٥.
٢ سورة الحج: ١١.
٣ سورة آل عمران: ١٤٢.
٤ سورة محمد: ٣١.
٥ سورة المائدة: ٥٤.
٦ سورة آل عمران: ١٤٤.
٧ أخرجه مسلم (٢٩٩٩) بلفظ: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير..".

<<  <  ج: ص:  >  >>