أما المجمل؛ فالنقض، فإن اليهود والنصارى عندهم من الحكايات والقياسات من هذا النمط كثير، بل المشركون الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يدعون عند أوثانهم فيستجاب لهم أحياناً كما يستجاب لهؤلاء أحياناً، وفي وقتنا هذا عند النصارى من هذا طائفة، فإن كان هذا وحده دليلاً على أن الله تعالى يرضى ذلك ويحبه فليطرد الدليل، وذلك كفر متناقض، ثم إنك تجد كثيراً من هؤلاء الذين يستغيثون عند قبر أو غيره كل منهم قد اتخذ وثناً أحسن به الظن وأساء الظن بآخر، وكل منهم يزعم أن وثنه يستجاب عنده ولا يستجاب عند غيره، فمن المحال إصابتهم جميعاً، وموافقة بعضهم دون بعض تحكم وترجيح بلا مرجح، والتدين بدينهم جميعاً جمع بين الأضداد، فإن أكثر هؤلاء إنما يكون تأثرهم فيما يزعمون بقدر إقبالهم على وثنهم وانصرافهم عن غيره، وموافقتهم جميعاً فيما يثبتونه دون ما ينفونه يضعف التأثير على زعمهم، فإن الواحد إذا أحسن الظن بالإجابة عند هذا وهذا لم يكن تأثيره مثل تأثير الحسن الظن بواحد دون آخر، وهذه كلها من خصائص الأوثان".
ثم ذكر رحمه الله الجواب المفصل وأطنب فيه كما هي عادته، ومما قال فيه: "وأما التحريم من جهة الطلب فيكون تارة لأنه دعاء لغير الله، مثل ما يفعله السحرة في مخاطبة الكواكب وعبادتها ونحو ذلك، فإنه قد يقضي عقب ذلك أنواع من القضاء إذا لم يعارضه معارض من دعاء أهل الإيمان وعبادتهم أو غير ذلك، ولهذا تنفذ هذه الأمور في زمان فترة الرسل وفي بلاد الكفر مالا تنفذ في دار الإيمان وزمانه، ومن هذا أني أعرف رجالاً يستغيثون ببعض الأحياء في شدائد تنزل بهم فتفرج عنهم، وربما يعاينون أموراً وذلك المستغاث به لم يشعر بذلك ولا علم به البتة، وفيهم من يدعو على أقوام ويتوجه في إيذائهم فيرى بعض الأحياء أو بعض الأموات يحول بينه وبين إيذاء أولئك، وربما رآه ضارباً له بالسيف، وإن كان الحائل لا شعور له بذلك، وإنما ذلك من فعل الله بسبب يكون بين المقصود وبين الرجل الدافع من اتباع له وطاعة فيما يأمره من طاعة الله ونحو ذلك، فهذا قريب، وقد يجري لعباد الأصنام أحياناً من هذا الجنس المحرم ما يظنونه محبة من الله بما