للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي سفيان فهو آمن" فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته قال أبو هريرة: وجاء الوحي وكان إذا جاء الوحي لا يخفى علينا فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينقضي الوحي فلما انقضى الوحي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الأنصار" قالوا: لبيك يا رسول الله قال: "قلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قريته قالوا: قد كان ذاك قال: كلا إني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم والمحيا محياكم والممات مماتكم" فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بالله ورسوله" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم" ... الحديث١.

فقوله صلى الله عليه وسلم: "هاجرت إلى الله وإليكم المحيا محياكم والممات مماتكم" معناه: إني هاجرت إلى الله وإلى دياركم لاستيطانها فلا أتركها ولا أرجع عن هجرتي الواقعة لله تعالى بل أنا ملازم لكم المحيا محياكم والممات مماتكم أي: لا أحيا إلا عندكم ولا أموت إلا عندكم.. فلما قال لهم هذا بكوا واعتذروا وقالوا: والله ما قلنا كلامنا السابق إلا حرصاً عليك وعلى مصاحبتك ودوامك عندنا لنستفيد منك وتهدينا الصراط المستقيم كما قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ٢ وهذا معنى قولهم: ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بك أي: شحاً بك أن تفارقنا ويختص بك غيرنا وكان بكاؤهم فرحاً بما قال لهم وحياء مما خافوا أن يكون بلغه عنهم مما يستحى منه"٣.

فلله ما أعظمها من منقبة وما أسماه من مدح وثناء لطائفة الأنصار رضي الله عنهم الذين ظفروا وفازوا بإيواء ونصر خير البرية ولذلك فازوا بتصديقهم ومعذرتهم من الله ورسوله فيما قالوه فرضي الله عنهم وأرضاهم وهنأهم بما آتاهم.

١٠- ومن مناقبهم رضي الله عنهم: إيثارهم الدار الآخرة على الدار الفانية


١ـ صحيح مسلم ٣/١٤٠٦.
٢ـ سورة الشورى آية/٥٢.
٣ـ شرح النووي على صحيح مسلم ١٢/١٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>