للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البعيد أن يصفهم الله ـ عز وجل التي بأنهم خير أمة ولا يكونوا أهل عدل واستقامة، وهل الخيرية إلا ذلك، كما أنه لا يجوز أن يخبر الله تعالى بأنه جعلهم أمة وسطاً ـ أي: عدولاً ـ وهم على غير ذلك.

والخطاب في هاتين الآيتين وإن كان موجهاً لمن كان موجوداً مع النبي صلى الله عليه وسلم وقت نزول الآيتين إلا أنه يشمل جميع الأمة ويكون الصحابة هم أولى الناس بالدخول فيه لما لهم من المآثر الجليلة والأعمال الخيرية النبيلة التي جعلتهم أهلاً لأن يتصفوا بتلك الصفات الواردة في الآيتين.

قال الشاطبي١ رحمه الله تعالى: سنة الصحابة رضي الله عنهم سنة يعمل عليها ويرجع إليها، ومن الدليل على ذلك أمور:

أحدها: ثناء الله عليهم من غير مثنوية ومدحهم بالعدالة وما يرجع إليها كقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ، وقوله {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} ، ففي الآية الأولى: إثبات الأفضلية على سائر الأمم، وذلك يقضي باستقامتهم في كل حال، وجريان أحوالهم على الموافقة دون المخالفة.

وفي الثانية: إثبات العدالة مطلقاً، وذلك يدل على ما دلت عليه الأولى. ولا يقال إن هذا عام في الأمة، فلا يختص بالصحابة دون من بعدهم لأنا نقول:

أولاً: ليس كذلك بناء على أنهم المخاطبون على الخصوص ولا يدخل معهم من بعدهم إلا بقياس وبدليل آخر.


١ـ هو: إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي المالكي الشيهر بالشاطبي، أبو إسحاق، محدث، فقيه، أصولي، لغوي، مفسر، مات في شعبان سنة تسعين وسبعمائة. انظر ترجمته في "فهرس الفهارس" ١/١٣٤، الأعلام للزركلي ١/٧١، معجم المؤلفين: ١/١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>