للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خامساً: أما دعواهم أن حزنه دل على خوره فهذا كله من الكذب الواضح وضوح الشمس لأنه لا يوجد في الآية ما يدل على هذا من وجهين:

أحدهما: أن النهي عن شيء لا يدل على وقوعه، بل يدل على أنه ممنوع لئلا يقع فيما بعد، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} ١، فهذا لا يدل على أنه كان يطيعهم ... فقوله تعالى: {لا تحزن} لا يدل على أن الصديق قد حزن، لكن من الممكن في العقل أنه يحزن، فقد ينهى عن ذلك لئلا يفعله.

الثاني: أنه بتقدير أن يكون حزن فكان حزنه على النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يقتل ويذهب الإسلام، وكان يود أن يفدي النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا لما كان معه في سفر الهجرة كان يمشي أمامه تارة ووراءه تارة، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم٢ عن ذلك فقال: أذكر الرصد فأكون أمامك وأذكر الطلب فأكون وراءك"٣.

رضي الله عنه وأرضاه.

سادساً: وأما افتراؤهم بأن حزنه دل على قلة صبره وعدم يقينه بالله فهذا باطل ولا يدل على انعدام الصبر المأمور به، فإن الصبر على المصائب واجب بالكتاب والسنة، ومع هذا فحزن القلب لا ينافي ذلك٤ وكذلك زعمهم أنه يدل على عدم يقينه بالله كذب وبهت، فإن الأنبياء قد حزنوا ولم يكن ذلك دليلاً على عدم يقينهم بالله كما ذكر الله عن يعقوب وثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات ابنه إبراهيم وقال: "إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا


١ـ سورة الأحزاب آية/١
٢ـ انظر فضائل الصحابة للإمام أحمد ١/٦٢-٦٣.
٣ـ منهاج السنة ٤/٢٦٢-٢٦٣.
٤ـ دل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: " ... ألا تسعمون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم".. الحديث. صحيح البخاري ١/٢٢٦-٢٢٧، من حديث ابن عمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>