للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من كل مصر إلى الأمصار الأخرى بالأخبار الكاذبة أشار الصحابة على عثمان بأن يبعث رجالاً ممن يثق بهم إلى الأمصار حتى يرجعوا إليه بحقيقة الحال تناسى عثمان ما كان من عمار وأرسله إلى مصر ليكون موضع ثقته في كشف حالها فأبطأ عمار في مصر، والتف حوله السبئيون ليستميلوه إليهم فتدارك عثمان وعامله على مصر هذا الأمر، وجيء بعمار إلى المدينة مكرماً وعاتبه ذو النورين لما قدم عليه، فقال له: على ما رواه الحافظ ابن عساكر: "يا أبا اليقظان قذفت أبي أبي لهب أن قذفك ... وغضبت علي أن أخذت لك بحقك وله بحقه، اللهم قد وهبت ما بيني وبين أمتي من مظلمة اللهم إني متقرب إليك بإقامة حدودك في كل أحد ولا أبالي أخرج عني يا عمار، فخرج، فكان إذا لقي العوام نضح عن نفسه وانتفى من ذلك، وإذا لقي من يأمنه أقر بذلك وأظهر الندم، فلامه الناس وهجروه وكرهوه"١.

وأما دعواهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: "عمار جلدة ما بين عيني" لا يعرف له إسناد٢.

وزعمهم أنه كان يطعن على عثمان فعلى تقدير أنه حصل منه فليس جعل ذلك قدحاً في عثمان بأولى من جعله قدحاً في عمار، وإذا كان كل واحد منهما مجتهداً فيما صدر منه يثبته الله على حسناته ويغفر له خطأه، وإن كان صدر من أحدهما ذنب فقد علمنا أن كلاً منهما ولي الله وأنه من أهل الجنة وأنه لا يدخل النار فذنب كل منهما لا يعذبه الله عليه في الدار الآخرة.

وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية بياناً شافعاً ما يجب على المسلم التزامه فيما جرى من كلام بين الصحابة لبعضهم بعضاً، حيث قال رحمه الله: "وعثمان أفضل من كل من تكلم فيه، هو أفضل من ابن مسعود وعمار وأبي ذر ومن


١ـ تهذيب التهذيب دمشق ٧/٤٣٢.
٢ـ منهاج السنة ٣/١٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>