للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَارِحَةَ؟ فَقَالَ: إذَا قُلْت لَك: أَنَا فِي عَافِيَةٍ فَحَسْبُك لَا تُخْرِجْنِي إلَى مَا أَكْرَهُ١.

وَوَصْفُ الْمَرِيضِ مَا يَجِدُهُ لِلطَّبِيبِ لَا يَضُرُّهُ، وَالنَّصُّ الْمَذْكُورُ لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ، إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ: إذَا كَانَتْ الْمُصِيبَةُ مِمَّا يُمْكِنُ كِتْمَانُهَا فَكِتْمَانُهَا مِنْ أَعْمَالِ اللَّهِ الْخَفِيَّةِ، وَلِهَذَا ذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّ عَمَلَ الْقَلْبِ مِنْ التَّوَكُّلِ وَغَيْرِهِ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ، وَأَنَّ الصَّبْرَ وَاجِبٌ بِالِاتِّفَاقِ. قَالَ: وَالصَّبْرُ لَا تُنَافِيه الشَّكْوَى، قَالَ: وَالصَّبْرُ الْجَمِيلُ صَبْرٌ بِغَيْرِ شَكْوَى إلَى الْمَخْلُوقِ، وَالشَّكْوَى إلَى الْخَالِقِ لَا تُنَافِيهِ، وَمُرَادُهُ: بَلْ شَكْوَاهُ إلَى الْخَالِقِ مَطْلُوبَةٌ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَقَدْ نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ فِي أَنِينِ الْمَرِيضِ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ شَكْوَى، وَلَكِنَّهُ اشْتَكَى إلَى اللَّهِ. وَاقْتَصَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَلَى قَوْلِ الزَّجَّاجِ: إنَّ الصَّبْرَ الْجَمِيلَ لَا جَزَعَ فِيهِ وَلَا شَكْوَى إلَى النَّاسِ. وَأَجَابَ عَنْ قَوْلِهِ: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: ٨٤] بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ شَكَا إلَى اللَّهِ لَا مِنْهُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ، وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَالثَّانِي أَنَّهُ أَرَادَ الدُّعَاءَ، فَالْمَعْنَى: يَا رَبِّ ارْحَمْ أَسَفِي عَلَى يُوسُفَ.

وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: ٨٣] إنْ قِيلَ: فَأَيْنَ الصَّبْرُ وَهَذَا لَفْظُ الشَّكْوَى؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّكْوَى إلَى اللَّهِ لَا تُنَافِي الصَّبْرَ وَإِنَّمَا الْمَذْمُومُ الشَّكْوَى إلَى الْخَلْقِ، أَلَمِ تَسْمَعْ قَوْلَ يَعْقُوبَ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: ٨٦]


١ مناقب الإمام أحمد ص ٥٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>