للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمُكَلِّفُ الْأَيَّامِ ضِدَّ طِبَاعِهَا ... مُتَطَلِّبٌ فِي الْمَاءِ جِذْوَةَ نَارِ

وَكَانَ شَيْخُنَا يَتَمَثَّلُ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ كَثِيرًا، فَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَدُهُ فِي سَلَّةِ الْأَفَاعِي كَيْفَ يُنْكِرُ اللَّسْعَ، وَأَعْجَبُ مِنْهُ مَنْ يَطْلُبُ مِنْ الْمَطْبُوعِ عَلَى الضُّرِّ النَّفْعَ. وَقَدْ قِيلَ:

وَمَا اسْتَغْرَبَتْ عَيْنِي فِرَاقًا رَأَيْته ... وَلَا عَلَّمَتْنِي غَيْرَ مَا الْقَلْبُ عَالِمُهُ

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: مَنْ تَأَمَّلَ حَقَائِقَ الْأَشْيَاءِ رَأَى الِابْتِلَاءَ عَامًّا وَالْأَغْرَاضَ مُنْعَكِسَةً وَعَلَى هَذَا وَضْعُ هَذِهِ الدَّارِ، فَمَنْ طَلَبَ نَيْلَ غَرَضِهِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَقَدْ رَامَ مَا لَمْ تُوضَعْ لَهُ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُوَطِّنَ نَفْسَهُ عَلَى الْمَكْرُوهَاتِ، فَإِنْ جَاءَتْ رَاحَةٌ عَدَّهَا عَجَبًا.

وَلَا يُكْرَهُ الْبُكَاءُ عَلَيْهِ، وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ "م ش" لِكَثْرَةِ الْأَخْبَارِ١، وَأَخْبَارُ النَّهْيِ٢ مَحْمُولَةٌ عَلَى بُكَاءٍ مَعَهُ نَدْبٌ أَوْ نِيَاحَةٌ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَإِنَّهُ كُرِهَ كَثْرَةُ الْبُكَاءِ وَالدَّوَامُ عَلَيْهِ أَيَّامًا، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ: يُحْمَلُ النَّهْيُ بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى تَرْكِ الْأَوْلَى، وَقَدْ قِيلَ:

عَجِبْت لِمَنْ يَبْكِي عَلَى فَقْدِ غَيْرِهِ ... دُمُوعًا وَلَا يَبْكِي عَلَى فَقْدِهِ دَمًا

وَأَعْجَبُ مِنْ ذَا أَنْ يَرَى عَيْبَ غَيْرِهِ ... عَظِيمًا وَفِي عَيْنَيْهِ عَنْ عَيْبِهِ عَمًى

قَالَ جَمَاعَةٌ: وَالصَّبْرُ عَنْهُ أَجْمَلُ. وَذَكَرَ شَيْخُنَا أنه يستحب، رحمة

ــ

[تصحيح الفروع للمرداوي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


١ منها بكاؤه صلى الله عليه وسلم على ولده إبراهيم حين كان يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان ... ثم قال: "إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ... " الحديث أخرجه البخاري "١٣٠٣"، ومسلم "٢٣١٥" "١٢"، من حديث أنس.
٢ كقوله صلى الله عليه وسلم: "عن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه". أخرجه البخاري "١٢٨٦"، ومسلم "٩٢٧" "١٦"، من حديث ابن عمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>