للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَسْرِهِ لِخَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا تَخْيِيرَ; لِأَنَّهُ لَا يَدَ عَلَيْهِ, وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ كَمُسْلِمٍ أَصْلِيٍّ فِي قَوَدٍ وَدِيَةٍ, لَكِنْ لَا قَوَدَ مَعَ شُبْهَةِ التَّأْوِيلِ, وَفِي الدية الخلاف "وش" وَغَيْرُهُ, كَبَاغٍ, أَوْ أَنَّهَا مَسْأَلَةُ مَنْ قَتَلَ بِدَارِ حَرْبِ مَنْ ظَنَّهُ حَرْبِيًّا فَبَانَ مُسْلِمًا, وَهَذَا أَوْلَى, لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ, بِخِلَافِ قَتْلِ الْبَاغِي, فَعَلَى هَذَا تَجِبُ الكفارة "وش".

وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُقِيمٌ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ قَبْلَ خُرُوجِهِ خَالِدًا لَمَّا رَجَعَ مِنْ هَدْمِ الْعُزَّى وَقَتَلَ الْمَرْأَةَ السَّوْدَاءَ الْعُرْيَانَةَ النَّاشِرَةَ الرَّأْسِ وَهِيَ الْعُزَّى, وَكَانَتْ بِنَخْلَةٍ لِقُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ, وَكَانَتْ أَعْظَمَ أَصْنَامِهِمْ١. وَبَعَثَهُ إلَى بَنِي جَذِيمَةَ فَأَسْلَمُوا وَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا, فَقَالُوا: صَبَأْنَا٢, صَبَأْنَا٢, فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ. وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بِإِسْلَامٍ فَقَتَلَهُمْ, فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ مَنْ مَعَهُ, كَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَابْنِ عُمَرَ٣, فَلَمَّا بَلَغَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: "اللَّهُمَّ إنِّي أَبْرَأُ إلَيْك مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ" مَرَّتَيْنِ٤. وَبَعَثَ عَلِيًّا بِمَالٍ فَوَدَاهُمْ بِنِصْفِ الدِّيَةِ, وَضَمِنَ لَهُمْ مَا تَلِفَ٥.


١ ذكر بعث خالد إلى الغزى ابن سعد في طبقاته "٢/١٤٥ – ١٤٦" وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة "٥/٧٧".
٢ في الأصل "صبئنا".
٣ ذكر ابن هشام في سيرته "٢/٤٢٩ – ٤٣٠" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "هل أنكر عليه أحد"؟ فقال: نعم قد أنكر عليه رجل أبيض ربعة أي زجره خالد فسكت عنه وأنكر عليه رجل آخر طويل مضطرب فراجعه فاشتدت مراجعتهما فقال عمر ابن الخطاب أما الأول يا رسول الله فابني عبد الله وأما الآخر فسالم مولى أبي حذيفة.
٤ أخرجه من غير الإنكار وبعث علي رضي الله عنه البخاري في صحيحه "٤٣٣٩" من حديث سالم عن أبيه رضي الله عنه.
٥ ذكره ابن سعد في طبقاته "٢/١٤٨" وأخرجه الطبري في تاريخه "٣/٦٧" والبيهقي في دلائل النبوة "٥/١١٤ – ١١٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>