الْعِلْمُ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ، قُلْت: الصَّلَاةُ، وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ، وَالطَّلَاقُ وَنَحْوُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ شَيْخُنَا: مَنْ فَعَلَ هَذَا أَوْ غَيْرَهُ وَمِمَّا هُوَ خَيْرٌ فِي نَفْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَحَبَّةِ لَهُ، لَا لِلَّهِ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الشُّرَكَاءِ، فَلَيْسَ مَذْمُومًا، بَلْ قَدْ يُثَابُ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الثَّوَابِ: إمَّا بِزِيَادَةٍ فِيهَا وَفِي أَمْثَالِهَا، فَيَتَنَعَّمُ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وَلَوْ كَانَ كُلُّ فِعْلٍ حَسَنٍ لَمْ يُفْعَلْ لِلَّهِ مَذْمُومًا لَمَا أُطْعِمَ الْكَافِرُ بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا، لِأَنَّهَا تَكُونُ سَيِّئَاتٍ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ فَوَائِدِ ذَلِكَ وَثَوَابِهِ فِي الدُّنْيَا أَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ إلَى أَنْ يَتَقَرَّبَ بِهَا إلَيْهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ: طَلَبْنَا الْعِلْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَأَبَى أَنْ يَكُونَ إلَّا لِلَّهِ، وَقَوْلِ الْآخَرِ: طَلَبُهُمْ لَهُ نِيَّةٌ، يَعْنِي "نَفْسُ طَلَبِهِ حَسَنَةٌ تَنْفَعُهُمْ "، وَهَذَا قِيلَ فِي الْعِلْمِ لِأَنَّهُ الدَّلِيلُ الْمُرْشِدُ، فَإِذَا طَلَبَهُ بِالْمَحَبَّةِ وَحَصَّلَهُ وَعَرَفَهُ، بِالْإِخْلَاصِ فَالْإِخْلَاصُ لَا يَقَعُ إلَّا بِالْعِلْمِ، فَلَوْ كَانَ طَلَبُهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِخْلَاصِ لَزِمَ الدَّوْرُ، وَعَلَى هَذَا مَا حَكَاهُ أَحْمَدُ، وَهُوَ حَالُ النُّفُوسِ الْمَحْمُودَةِ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُ خَدِيجَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَلًّا، وَاَللَّهِ لا يخزيك الله أبدا١، فَعَلِمْت أَنَّ النَّفْسَ الْمَطْبُوعَةَ عَلَى مَحَبَّةِ الْأَمْرِ الْمَحْمُودِ وَفِعْلِهِ لَا يُوقِعُهُ اللَّهُ فِيمَا يُضَادُّ ذَلِكَ.
وَفِي الْفُنُونِ: إذَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً أَحَبَّ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَثَرُهَا، وَمِمَّا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ أَنْ حَبَّبَ إلَيَّ الْعِلْمَ، فَهُوَ أَسْنَى الْأَعْمَالِ، وَأَشْرَفُهَا، وَاخْتَارَهُ غَيْرُهُ أيضا.
١ هو جزء من حديث طويل في قصة بدء الوحي أخرجه البخاري "٣" ومسلم "١٦٠" عن عائشة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute