للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استقصاء المؤلفات العربية، والقديم منها خاصة، مع الإشارة الى مكان النادر والمخطوط منها.

ذلك المُسْتَشْرِق، الذي كنا نتوهَّمه مُتسامياً على ما يرتكس فيه إخوانه علماء المشرقيات، ألَّف كتاباً آخر في " تاريخ الشعوب الإسلامية " ترجمه أستاذان من بيروت، هُمَا الدكتور نبيه أمين فارس، والأستاذ منير البَعْلَبَكِي، في خمسة أجزاء، وطبع ببيروت، وجزؤه الأول طبع سنة ١٩٤٩ م.

هذا الرجل الذي كنا نظنُّهُ عاقلاً! يقول في الجزء الأول من كتابه (١)، حين يتحدَّثُ عن بلاد العرب قبل الإسلام، وعن أحوالهم الاجتماعية في شمالي الجزيرة، يقول بالحرف الواحد:

«والبَدَوِيُّ كائن فردي النزعة، مُفْرطُ الأنانية قبل كل شيء، ولا تزال بعض الأحاديث تسمح للعربي الداخل في الإسلام، أنْ يقول في صلاته: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً»!

هكذا يقول هذا الرجل الواسع الاطلاع على الكتب العربية، والمؤلفات الإسلامية! غير الجاهل بكلام العرب، ولا الغافل عن معنى ما يقرأ، والحديث أمامه في كتب السُنَّة كاملاً، ينقل منه حرفاً واحداً، وَيَدَعُ ما قبله وما بعده! هذا الرجل الذي أظهرت كلمته أنَّ الإحن والعصبية الصليبية تملأ صدره، وتغطي على بصره وعقله!.

حادث فردي، من بدوي جاهل، لم يمر دون أنْ ينكر عليه الناس، ودون أنْ يعلمه المُعَلِّمُ الرفيق، - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يجعله هذا المُفتري الكذَّاب، قاعدة عامة لخُلُقِ أهل البادية! يجعل الحادثة الجزئية قاعدة كلية، وهذا آعجب أنواع الاستنباط فيما رأينا وعلمنا!

ولستُ أدري لماذا لم يستنبط أيضاً من هذه الحادثة الفردية قاعدة كلية أخرى: أنَّ من خُلُقِ أهل البادية إذا دخلوا مسجداً، أو حضروا جمعاً عظيماً من الناس أنْ يُبادروا إلى البول في المسجد، أو في حضرة الناس! حتى يكون هذا المُسْتَشْرِق منطقياً مع نفسه، والأعرابي صاحب الحادثة صنع الأمرين!.


(١) الترجمة العربية: ١٦.

<<  <   >  >>