للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتصوَّرون مجتمعاتهم، ناسين الفروق الطبيعية والنفسية والزمنية التي تفرِّقُ بين الأجواء التاريخية التي يدرسونها وبين الأجواء الحاضرة التي يعيشونها!

تلك نبذة مُختصرة عن الاسْتِشْرَاق والمُسْتَشْرِقِينَ، تضع يَدَنَا على معاول الهدم التي تنطق بها أعمالُهم التي حاولنا في هذه العُجالة كشفها، رجاء أنْ تكون في ذلك ذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين!

[دوافع الإحن والعصبية:]

وإليك هذا المثال لدوافع الإحن والعصبية، فقد روى أحمد وغيره بسند صحيح عن أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: دخل أعرابي المسجد، فصلى ركعتين ثم قال: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، وَلاَ تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا. فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا».

ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَالَ فِي الْمَسْجِدِ! فَأَسْرَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فقال لهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ، أَهْرِيقُوا عَلَيْهِ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ» (١).

وهو حديث واضح المعنى في وصف هذا الأعرابي البادي الجافي - كما يقول الشيخ أحمد شاكر (٢) - جاء من البادية بجفائه وجهله، فصنع ما يصنع الأحمق الجاهل، حتى علَّمَهُ معلِّمُ الخير - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لا يرتاب في معرفة جفاء الرجل وجهله من قرأ الحديث أو سمعه، أياً كان القارئ أو السامع عالماً أو جاهلاً وذكياً أو غبيًّا، عربياً أو أعجمياً.

أفليس عجباً - بعد هذا - أنْ يغلب الهوى وبُغْضُ الإسلام، رَجُلاً مُسْتَشْرِقاً كنا نظنُّ أنه من أبعد المُسْتَشْرِقِينَ عن أهواء المُبَشِّرِينَ، ودناءات المُنْحَرِفِينَ! هو المُسْتَشْرِقُ بروكلمان، صاحب كتاب " تاريخ الأدب العربي " الذي حاول فيه


(١) " مسند أحمد ": ١٢/ ٢٤٤ - ٢٤٧ (٧٢٥٤) تحقيق أحمد شاكر، وأبو داود. الطهارة (٣٧٦) " عون المعبود "، و " سُنن الترمذي ". الطهارة (١٤٧) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(٢) " مسند أحمد ": ١٢/ ٢٤٥ - ٢٤٧ بتصرف.

<<  <   >  >>