للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في مصنَّفات ومسانيد تَكْفُلُ لأهل العلم معرفة القوي من الضعيف، خشية تَسَرُّبِ الكذب إلى حديثه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم اجتهد كبار العلماء في جمع الحديث الصحيح على أسلم قواعد التثبُّت العلمي، فرحلوا في طلب ذلك، وسمعوا بأنفسهم، وتثبَّتُوا وسعهم، وكتبوا بأيديهم، فظهرت الكتب المجرَّدة من الضعيف، وأجمعت الأمَّة الإسلامية - التي فهمت الإسلام واتَّخذته سبيلها في مختلف وجوه حياتها - على صِحَّةِ " صحيح البخاري " و " صحيح مسلم "، فإذا اعترف المُسْتَشْرِقُونَ ببعض الحقائق العلميَّة، وأقرُّوا جانباً مِمَّا أثبتته المصادر الإسلامية، فلا يجوز لنا على أي حال أنْ نقبل ما ذهبوا إليه من طعن في صحاح السُنَّة، باسم طبيعة تطوُّر الرواية أو غير ذلك، كما لا يجوز لنا أيضاً أنْ نقبل منهم إضعاف ثقتنا باستظهار السُنَّة وحفظها ما دام قد ثبت تقييد بعض الحديث منذ عهده - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلا تعارض بين حفظ الحديث وكتابته، ولا يقتضي وجود أحدهما انعدام الآخر أو ضعفه.

جَهْلٌ مُرَكَّبٌ:

وهكذا كانت هذه الأحاديث التي حفظت في الصدور وكتبت في السطور، وهكذا تميَّزت هذه الأُمَّة عن غيرها من الأمم بمثل هذا السجل الخالد لِنَبِيِّهَا، فالأمم كلها فقيرة لا تملك مثل هذه المجموعة الناطقة المُسَجَّلَةِ عن الأنبياء والرسل، وهي (١) - من عمى وظلام تاريخي - قد انقطعت الصِلَةُ بينها وبين أنبيائها علمياً وعملياً وروحياً، وفقدت الحلقة التاريخية التي تصلها بعصر هؤلاء الرسل - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِمْ -، وتوفقها على شؤون حياتهم، وما يكتنفها من ظروف وملابسات.

هذه أسفار اليهود التي تضمنت (٢) سير هؤلاء الأنبياء قد خالج المُحَقِّقِينَ من العلماء ضروبٌ من الشك في كل سفر من أسفارها، على أننا إذا ضربنا صَفْحاً عن هذه الشكوك نرى سير هؤلاء الأنبياء ناقصة، مثال ذلك أحوال موسى المذكورة في أسفار " التوراة "، وقد توصل مؤلفو " دائرة المعارف البريطانية " أنفسهم إلى تحقيق أنَّ هذه الأسفار دُوِّنَتْ وجُمِعَتْ بعد موسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - بقرون كثيرة، زِدْ على ذلك أنَّ


(١) " رجال الفكر والدعوة في الإسلام ": ص ٨١ بتصرف.
(٢) " الرسالة المحمدية ": ص ٤٩ وما بعدها بتصرف.

<<  <   >  >>