" التوراة " الموجودة فيها لكل حادثة روايتان مختلفتان وحكايتان متباينتان كما حقَّق ذلك بعض علماء الألمان، وربما دفع بعض هذه الروايات بعضاً فتعارضت أُولاها بأُخراها.
ونحن نواجه الوصف المتعارض في سِيَرِ الرجال والحوادث جميعاً ومن أراد أنْ يزداد علماً بهذا الموضوع فليراجع مادة «بَايْبِلْ» في الطبعة الأخيرة من " دائرة المعارف البريطانية "، وإذا كان الأمر كذلك فبأي منزلة من التاريخ ننزل حوادث العالم من آدم إلى موسى - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ -؟! وكيف نقدر قدر التاريخ الثابت في هذه الأمور؟!
وحسبنا أنْ نذكر أنَّ الأسفار الخمسة من " التوراة " لا تعطي تفاصيل حياة موسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - بصورة تماثل ما نعرف عن حياة خاتم النبيين - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فضلاً عن التحريف الذي لا يُحْصَى ولا يُعَدُّ، ولنذكر ما جاء في " سفر التثنية "(٣٤: ٥ - ١٠): «إنَّ عبد الله موسى مات بإذن الله في أرض موآب، ودفنه الله في الجواء في أرض موآب مقابل بيت فغور، ولم يعرف إنسان قبره الى هذا اليوم، وكان موسى ابن عشرين ومائة سَنَة حين جاءهُ الموت ... ولم يقم بعد نبيٌّ في إسرائيل مثل موسى».
هذه الفقرات ذكرها " سفر التثنية "، وهو السفر الخامس من " التوراة " المُوحَى الى موسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، ولا يخفى أنَّ هذه الكلمات لم ينطق بها موسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، وهذا يدل على أنَّ هذا السفر كله أو هذه الفقرات لا صلة لها بالوحي بحال، فضلاً عن أنَّ الدنيا تجهل كاتب هذه السيرة لموسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -! وواضح أنَّ قوله:«ولم يعرف إنسان قبره». وقوله:«ولم يقم بعد نبيٌّ في إسرائيل مثل موسى» لم ينزل به الوحي!.
وأحوال عيسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وسيرته مكتوبة في الأناجيل، والأناجيل - كما تعلمون - كثيرة، غير أنَّ أكثرية المسيحيين اقتصرت على أربعة أناجيل. أما " إنجيل الطفولة ". و " إنجيل برنابا " وغيرها فلا يعتبرونهما، ومع ذلك فإنَّ الأناجيل الأربعة التي اقتصروا عليها لم يَلْقَ أَحَدٌ من الذين جمعوها سيدنا عيسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، وإذا تساءلنا: عَمَّنْ رَوَوْا هذه الأناجيل؟ نجد التاريخ يجهل ذلك كُلَّ الجهل، ويزداد المرء شكّاً إذا توصَّل إلى حقيقة أخرى، وهي أنَّ الرجال الأربعة المنسوبة إليهم هذه الأناجيل الأربعة لا يمكن القطع يقيناً بأنهم هم الذين جمعوها في الواقع، فإذا