للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد تعرَّض المُحَدِّثُونَ لدراسة المَتْنِ من جوانبه العديدة، استكمالاً لبحثهم في القبول والردِّ، واستيفاء لما يحتاج إليه الباحث (١).

ولم تكن هذه الدراسة لمجرَّد إشباع رغبة جامحة، بل كانت الدوافع إليها أعمق وأدق، لأَنَّ المؤمنين يعلمون تماماً أنَّ الحق - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أنزل كتابه، وَوَكَّلَ تبيينَهُ لنبيِّهِ، فقال - جَلَّ شَأْنُهُ -: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (٢).

ولبث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثاً وعشرين سَنَةً يُبَيِّنُ ويُوَضِّحُ، ويفرض ويَسُنُّ، ويُحِلُّ ويُحَرِّمُ، وأصبحت معرفة هذه الأمور موقوفة على معرفة السُنَّة ..

ومعلوم أنَّ هذا كله يتوقَّفُ على تمييز الصحيح من الضعيف، والغَثِّ من السمين، والراجح من المرجوح، وقد تحرَّى علماء السُنَّة في هذا الأمر الحَقَّ، وتمسَّكُوا فيه بِالمَحَجَّةِ البيضاء، وكل ما يؤدِّي إلى الصدق، فكان علمهم هذا من مفاخر الإسلام.

المُسْتَشْرِقُونَ والمتن:

ولا يقف المُسْتَشْرِقُونَ عند حَدِّ شُبُهاتهم حول المفهوم والتدوين، وجهالاتهم حول السند - كما أسلفنا - وإنما ساروا قُدُماً في جهالاتهم نحو المَتْنِ!

وحتى لا يتشعَّبَ بنا الحديث، نَخُصُّ بالذكر «فَنْسَنْكْ» ذائع الصيت، حيث رَأَسَ مجموعة من المُسْتَشْرِقِينَ في عَمَلَيْنِ كَبِيرَيْنِ:

أحدهما: " دائرة المعارف الإسلامية " وقد دعا إليها المُسْتَشْرِقِينَ سنة ١٨٩٥ م وأشرف عليها «هُوتْسْمَا» في أول الأمر، فصدر الجزء الأول منها في عهده سنة ١٩١٣ م ثم تولَّى أمرها من بعدها «فَنْسَنْكْ» سنة ١٩٢٤ م فنشطت، وصدر منها في عهده ثلاثة أجزاء أخرى بالإنجليزية والفرنسية والألمانية.

وثانيهما: في مجال فهرسة السُنَّة، فقد أصدر كتابين:


(١) انظر " منهج النقد في علوم الحديث ": ص ٣٢١ وما بعدها.
(٢) [النحل: ٤٤].

<<  <   >  >>