للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان الأشخاص المنسوبة إليهم هذه الأناجيل لا يَطْمَئِنُّ التاريخ إلى صدروها عنهم فكيف يَطْمَئِنُّ الى صِحَّتِهَا؟!

وزاد الطين بَلَّةً أننا لا نعلم يقيناً اللغة التي كتبت بها هذه الأناجيل في الأصل، وفي أَيِّ زمان كُتِبَتْ، فقد اختلف مفسرو الآناجيل اختلافاً شديداً في تعيين زمان جمعها وتدوينها، فَمِنْ قائل إنها كتبت سنة ٦٠ للميلاد، ومن قائل إنها جمعت بعد ذلك التاريخ بكثير!

وقد كتب المُسْتَشْرِقُونَ التاريخ القديم لبابل وأشور والعرب والشام ومصر وأفريقيا والهند وتركستان، وأخذوا يلائمون بين الحوادث القديمة المجهولة الزمن ويعرضونها على الناس واضحة نقيَّة مُنَسَّقَةً مرتبطاً بعضها ببعض، وطَفِقُوا يعثرون على الصفحات المفقودة من كتب التاريخ القديم للبشر، إلاَّ أنهم قد أعياهم البحث والفحص فلم يجدوا الصفحات المفقودة عن حياة نَبِيِّهِمْ، وقد استغرق «ريتان» جُهْدَهُ، ولقي من العناء والنصب مبلغاً عظيماً ليقف على حياة عيسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - كاملة تامة، ومع ذلك فإنَّ شؤونه - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وأحواله لا تزال سراً مكنوناً في ضمير الزمن لم يبح به لسانه بعد، فضلاً عن التحريف الذي وقعوا فيه تجاه رسالته وما يعتقدونه تجاه الصلب وغيره!

وأما شأن أصحاب المِلَلِ والنِحَلِ فالأمر أعجب، حتى صار كثير من المُسْتَشْرِقِينَ (١) والمؤرِّخين يَشُكُّونَ في وجودهم، ويميلون إلى أنها شخصيات خُرافية ليس لها وجود تاريخي، ونحن - على معارضتنا لهذا التطرُّف - نوافق على أنها شخصيات مطمورة في ركام الماضي، وعلى أنَّ هنالك حلقات مفقودة لا يمكن البحث عنها والاهتداء إليها!

وهذا جهل مركب وقع فيه المُسْتَشْرِقُونَ، سواء اليهود تجاه أسفارهم، والنصارى تجاه أناجيلهم، وغير هؤلاء وأولئك تجاء مِلَلِهِمْ وَنِحَلِهِمْ!


(١) " رجال الفكر والدعوه في الإسلام ": ص ٧٢ - ٨١ بتصرف.

<<  <   >  >>