للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويتضح من هدا النص القصير منطق ابن العنابي في معالجة هذه القضية الشائكة وترجيحه لرأي الجمهور المعروفين بتفضيل النقل عند تعارض الأدلة. فإذا عرفنا أن تاريخ هذا النص يعود إلى سنة ١٢٢٦ هـ (١٨١١ م) عرفنا منزلة ابن العنابي المبكرة لدى علماء عصره، وهي المنزلة التي جلبت إليه انتباه حكام عصره أيضا.

وتدل آثاره الأخرى التي اطلعنا عليها، بالإضافة إلى كتابه (السعي المحمود)، على تمكنه من علوم الأوائل، ولا سيما العلوم الشرعية، وهو يتمتع بحافظة قوية لذلك تجد إنتاجه يغلب عليه النقل من كتب وآراء الأقدمين. وهو يبهرك بكثرة نقوله واستدلالاته على كل جزئية يأتي بها، ولا غرو بعد ذلك أن يكون راوية سند إذ هذا يقتضي معرفة دقيقة بالرجال والتواريخ ونحوها، وبالإضافة إلى النقل كان ابن العنابي يتمتع بقدرة فائقة على التأويل والتخريج والتعليل. وقد عرفنا هذا من كتابه (السعي المحمود، كما عرفناه من أجوبته الفقهية وفتاويه التي أدلى بها في عدة مناسبات. فقد اطلعنا له على عدة أجوبة على أسئلة دقيقة تتعلق بقضايا الصيد والتقليد والمرأة وآداب مجلس قراءة القرآن ونحو ذلك، فكانت أجوبته في غاية الدقة والتحليل، وهو لا يترك مسألة حتى يقتلها بحثا وتعليلا واستنتاجا. وكل ذلك بأسلوب سهل واضح يكاد يكون خاصا به. فهو لا يلجأ إلى السجع ولا الجمل الطويلة إلا نادرا. وقد صدق الذين مدحوه، كما سنرى، بالتعمق في العلم والقوة في التحرير، والنظر، وبأنه عالم المنقول والمعقول (٢٦) وسنورد بعض الفقرات له فيما بعد.

ولا شك أن قوة ثقافة ابن العنابي قد جاءت من اهتمام شخصي بالدرجة الأولى ومن تقاليد أسرته بالدرجة الثانية. فنحن نجده قد تلقى علومه في الجزائر


= الجزائري المدعو بابن العنابي أصلح الله حاله .. بتاريخ ذي القعدة سنة ١٢٢٦) انظر أيضا كناش العمالي، مخطوط، مكتبة الشيخ البوعبدلي.
(٢٦) انظر مدح محمد بيرم الرابع له مخطوط رقم ٩٧٣٢ تونس، وكذلك مدح مصطفى بيرم له أيضا في المخطوط رقم ١٨٧٦٣ (كناش الطواحني) تونس، واظر أيضا ما سيأتي.

<<  <   >  >>