للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على عدد من كبار الأساتذة عندئذ اشتهروا في النصف الأخير من القرن الثاني عشر الهجري (١٨ م) (٢٧) وكان هو بحكم اقترابه من السلطة يكثر من الأسفار ويتابع مجريات الحوادث ويطالع في الكتب الهامة وينظر في تطورات الأحداث التي ذكرنا بعضها في البداية، وكان يساعده على كل ذلك ذكاء حاد وموهبة نادرة.

أما تقاليد الأسرة فهي التي أمدته بتراث غزير من الأحكام التي كان يصدرها آباؤه والشهرة التي كانوا يتمتعون بها لدى العامة والخاصة، والمكتبات التي كانوا ينشئونها لأنفسهم وأبنائهم، والمجالس التي كانوا يعقدونها للمناظرة والمسامرة مع الأصدقاء والخصوم. وقد عرفنا أنه تلقى العلم على والده وجده وعلى ابن الأمين وغيرهم من الجزائريين. كما عرفنا أنه قد حج على الأقل مرتين، وأرسل في مهمات سياسية، وتولى مناصب حساسة، كل ذلك أسهم في تكوينه الثقافي فجعل أحكامه عقلية تجريبية وآراءه معللة رزينة.

ويبدو أنه كانت لابن العنابي مكتبة ضخمة ورثها عن آبائه وأضاف إليها مقتنيات من عنده، وكان يعلق على الكتب التي يملكها ويكتب حواشي في أطراف الصفحات منبها أو ناقدا أو مصححا. ويبدو كذلك أن مكتبته الخاصة قد أصيبت بالتلف أثناء إجباره على مغادرة الجزائر سنة ١٨٣٠ بعد الاحتلال مباشرة وأن ما بقى منها تلف بعد وفاته في الإسكندرية سنة ١٢٦٧. ولهذا السبب عثرنا على بعض الكتب ذات الموضوع والخط الجزائري، وهي تحمل خطه وصيغة التملك بها. ومن ذلك ما وجدناه بخطه على كتاب (كعبة الطائفين) (٢٨) حيث كتب ابن العنابي ما يلي على صفحة التملك:


(٢٧) انظر بعضهم في دراستنا (مدارس الثقافة العربية في الجزائر) في كتابنا (أفكار جامحة)، الجزائر، ١٩٨٨. وانظر أيضا كتابي (منطلقات فكرية) (فصل نماذج من الفكر التقدمي عند بعض الجزائريين). الدار العربية للكتاب، ليبيا- تونس ط ٢، ١٩٨٢.
(٢٨) انظر دراستنا عنه. في (المجلة التاريخية المغربية) عدد ٧, ٨ يناير ١٩٧٧. وكذلك في كتابنا (أبحاث وآراء)، الجزء الأول، ط ٢ , ١٩٨٢.

<<  <   >  >>